والغشاوة: الغطاء على العين يمنعها من الرؤية، والغشاوة في كلام العرب: الغطاءُ، ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص (?):
تَبِعْتُكَ إذْ عَيْني عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطعْتُ نَفْسِي أَلُومُهَا
ومنه يقال: تغشَّاه الهم: إذا تجلَّله وركبه، ومنه قول نابغة بني ذبيان (?):
هَلا سَأَلْتِ بَنِي ذُبيَان مَا حَسَبي ... إذَا الدُّخانُ تَغَشَّى الأشمَط البَرَمَا
يعني بذلك: تجلّله وَخالطه.
واختلفت القراءة في قوله تعالى: {غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7]، على وجوه (?):
أحدها: قرأ عاصم فيما روى المفضل الضبي (?) عنه: {غشاوة}، بالنصب (?)، وله وجهان (?):
الأول: أن تحمل على الفعل، كأنه قال: وختم على قلبه غشاوة، أي: بغشاوة فلما حذف الحرف وصل الفعل، ومعنى ختم عليه بغشاوة: مثل جعل على بصره غشاوة. ألا ترى أنه إذا ختمها بالغشاوة فقد جعلها فيها، والدليل على جواز حمل غشاوة على ختم هذا الظاهر قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} [النحل: 108]، وطبع في المعنى كختم، وقد حملت الأبصار على (طبع)، فكذلك تحمل على (ختم).
والوجه الثاني: ما قاله الفراء، وهو أنه نصبها بإضمار (وجعل)، كقوله في الجاثية: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] (?).
والثاني: وقرأ الباقون {غشاوة}، بالرفع.
قال أبو علي: والرفع أحسن والقراءة به أولى، لأن النصب إما أن تحمله على ختم الظاهر فيعترض في ذلك أنك حلت بين حرف العطف والمعطوف به، وهذا عندنا إنما يجوز في الشعر، وإما أن تحمله على فعل يدل عليه خَتَمَ تقديره وجعل على أبصارهم، فقراءة الرفع أحسن، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة (?).
والثالث: وقرأ الحسن: «غشاوة» بضم الغين، وقرئت «غشاوة» بفتح الغين.
قال ابن عطية: " وأصوب هذه القراءات المقروء بها ما عليه السبعة من كسر الغين على وزن عمامة والأشياء التي هي أبدا مشتملة، فهكذا يجيء وزنها كالضمامة والعمامة والكنانة والعصابة والربابة وغير ذلك" (?).
قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7]، " أي ولهم في الآخِرة عذاب شديدٌ لا ينقطع، بسبب كفرهم وإجرامهم وتكذيبهم بآيات الله" (?).