والثالث: عامة أهل الكتاب من معاهدات وحربيات، وهذا قول سعي بن المسيب (?)، والحسن (?)، والفقهاء وجمهور السلف (?).

والراجح-والله أعلم- أن نكاح عامة أهل الكتاب من معاهدات وحربيات جائز ذميةً كانت أو حربيّةً، بعد أن تكون بموضع لا يخافُ الناكح فيه على ولده أن يُجْبر على الكفر (?).

وفي قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، وجهان:

أحدهما: أنهن الحرائر من الفريقين، سواء كن عفيفات أو فاجرات، فعلى هذا، لا يجوز نكاح إمائهن، وهذا قول مجاهد (?)، والشعبي (?)، وبه قال الشافعي (?).

قال عامر: " أتى رجل عمر فقال: إن ابنةً لي كانت وُئِدت في الجاهلية، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدركت الإسلام، فلما أسلمت أصابت حدًّا من حدود الله، فعمدتْ إلى الشفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتى برئت، ثم إنها أقبلت بتوبة حسنة، فهي تخطب إلَيّ يا أمير المؤمنين، فأخبر من شأنها بالذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره الله فتبديه! والله لئن أخبرت بشأنها أحدًا من الناس لأجعلنك نَكالا لأهل الأمصار، بل أنكحها بنكاحِ العفيفة المسلمة" (?).

والثاني: أنهن العفائف، سواءٌ كن حرائر أم إماءً، فعلى هذا، يجوز نكاح إمائِهن، وهذا قول مجاهد (?)، والشعبي (?) أيضاً، وبه قال أبو حنيفة (?).

قوله تعالى: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المائدة: 5]، أي: " إِذا دفعتم لهن مهورهن" (?).

قال مقاتل: " يعني إذا أعطيتموهن مهورهن" (?).

قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [المائدة: 5]، أي: " حال كونكم أعفاء بالنكاح غير مجاهرين بالزنى" (?).

قال الماوردي: " يعني: أَعفّاء غير زُناة" (?).

قال ابن عباس: "يعني: ينكحوهن بالمهر والبينة غير مسافحين متعالنين بالزنا ولا متخذي أخدان، يعني: يسرُّون بالزنا" (?).

عن سليمان بن المغيرة، عن الحسن قال: "سأله رجل: أيتزوّج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لا بد فاعلا فليعمد إليها حَصانًا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا لَمَح الرجل، إليها بعينه اتّبعته" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015