قال مقاتل: " يعني في الأنعام: يعني اللحوم والشحوم وكل ذي ظفر لهم حلال فحرمها الله- عز وجل- عليهم بعد موس" (?).

قال الماتريدي: " لولا آية أخرى سوى هذه؛ وإلا صرفنا قوله - سبحانه وتعالى -: {حرمنا عليهم طيبات} على المنع، دون حقيقة التحريم؛ لأنهم أهل كفر؛ فلا يبالون ما يتناولون من المحرم والمحلل، ولا يمتنعون عن التناول من ذلك؛ فإذا كان ما ذكرنا - فيجيء أن يعود تأويل الآية إلى المنع؛ كقوله - تعالى -: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12]، فليس هو على التحريم؛ ولكن على المنع؛ أي: منعناه؛ فلم يأخذ من لبن المراضع دون لبن أمه؛ فعلى ذلك يجب أن يكون الأول.

ثم المنع لهم يكون من وجهين:

أحدهما: منع من جهة منع الإنزال؛ لقلة الأمطار والقحط؛ كسني يوسف - عليه السلام - وسني مكة، على ما كان لهم من القحط.

والثاني: منع من جهة الخلق: ألا يعطوا شيئا، لا بيعا ولا شراء ولا معروفا.

ولكن في آية أخرى بيان أن قوله: {حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} - أنه على التحريم، ليس على المنع، وهو قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: 146]، أخبر - عز وجل - أن ذلك جزاء بغيهم؛ فدل ما ذكرنا في الآية أن ذلك على حقيقة التحريم؛ لما يحتمل أن يكونوا لا يستحلون ما ذكر في الآية، ولكن كانوا يتناولون الربا على غير الاستحلال؛ فحرم ذلك عليهم" (?).

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - وحرف ابن عباس - رضي الله عنهما -: «حرمنا عليهم طيبات كانت أحلت لهم» (?).

قوله تعالى: {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160]، أي: " وبسبب منعهم كثيراً من الناس عن الدخول في دين الله" (?).

قال الطبري: " يعني: وبصدّهم عبادَ الله عن دينه وسبله التي شرعَها لعباده، صدًّا كثيرًا، وكان صدُّهم عن سبيل الله: بقولهم على الله الباطل، وادعائهم أن ذلك عن الله، وتبديلهم كتاب الله، وتحريف معانيه عن وجوهه. وكان من عظيم ذلك: جحودهم نبوة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتركهم بيانَ ما قد علِموا من أمره لمن جَهِل أمره من الناس" (?).

روي عن مجاهد في قول الله: " {وبصدّهم عن سبيل الله كثيرًا}، قال: أنفسَهم وغيرَهم عن الحق" (?).

ويحتمل قوله تعالى: {وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا} [النساء: 160]، وجهين (?):

أحدهما: أنهم صدوا من يستجهلون ويستسفهون عن سبيل الله: كانوا يدلون على الباطل وعلى غير سبيل الله، فذلك الصد محتمل.

والثاني: أنهم كانوا يصدون عن سبيل الله بالقتال والحرب.

قال الراغب: " واعلم أن تحريم الله على ثلاثة أضرب:

الأول: تحريمه الخبائث وكل ما ليس له هذا بوجه والبدن تعافه كالذباب، والخنافس، والأشياء المخلوقة من فضول البدن وهذا الجنس يحرم عقلا وشرعا.

الثاني: ما يعلم ضره أكثر من نفعه وقد يظن بعض الناس فيه نفعا كثيرا، فهو مترد من التحريم والتخيل في العقل.

والثالث: ضرب نافع في الأحوال الدنيوية جدا، إلا أن نفعه ليس بضروري، والعقل لا يقتضي بتحريمه، والشرع قد حرمه في حال دون حال، تهذيبا للنفوس عبادة، ودفعا لسلطان شهوتهم كتحريم الشحم على بني إسرائيل، وهو ما قال تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا} الآية، فنبه تعالى أنهم لما أسرفوا وصاروا يظلمون، ويصدون عن سبيل الله، حرم عليهم بعض الأطعمة، ليكون في ذلك عقوبة لهم من وجه وتهذيب يقمع شهوتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015