قرأ نافع {لا تَعَدُّوا}، بتسكين العين وتشديد الدال، من الاعتدا، وروى عنه ورش: {لا تعدوا}، بفتح العين وتشديد الدال، وقرأ الباقون: {لا تعدو}، خفيفة ساكنة العين، من عَدَوت، وعدوهم فيه تجاوزهم حقوقه، فيكون تعديهم فيه - على تأويل القراءة الثانية - ترك واجباته (?).

قوله تعالى: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 154]، أي: " وأخذنا عليهم عهدًا مؤكدًا، فنقضوه" (?).

قال أبو مالك: " {غليظا}، يعني: شديدا" (?).

قال النسفي: أي: " عهداً مؤكداً" (?).

قال ابن عرفة: " أي: لَا يقبل الحل شرعا" (?).

قال ابن كثير: " أي: شديدا، فخالفوا وعَصَوْا وتحيلوا على ارتكاب مناهى الله، عز وجل، كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163 - 166] الآيات" (?).

قال أبو السعود: أي: " على الامتثال بما كلفوه {ميثاقا غليظا} مؤكدا وهو العهد الذي أخذه الله عليهم في التوراة، قيل إنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله تعالى يعذبهم بأي أنواع العذاب أراد" (?).

ويحتمل قوله تعالى: {غَلِيظًا} [النساء: 154]، وجهين (?):

أحدهما: أنه العهد بعد اليمين.

والثاني: أن بعض اليمين ميثاق غليظ.

قال الطبري: " يعني: عهدًا مؤكدًا شديدًا، بأنهم يعملون بما أمرهم الله به، وينتهون عما نهاهم الله عنه، مما ذكر في هذه الآية، ومما في التوراة" (?).

الفوائد:

1 - بيان عناد اليهود وعصيانهم على الرغم من رؤيتهم للآيات.

2 - أن نقض اليهود للعهود والمواثيق أصبح طبعاً لهم لا يفارقهم أبداً، ولذا وجب عدم الثقة في عهودهم ومواثيقهم.

3 - ويستفاد من الآية: ان الله عز وجل أرسل الرسل والأنبياء ليذكروا العباد بالميثاق الغليظ، وهو أعظم ميثاق على الإطلاق، ألا وهو ميثاق الإيمان والتوحيد، والله عز وجل أخذ الميثاق الأول على بني آدم حينما أخرجهم جميعاً من صلب آدم: أن يكونوا موحدين لا مشركين.

قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].

القرآن

{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)} [النساء: 155]

التفسير:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015