واختلفوا في قوله {وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [النساء: 154]، على وجهين (?):
أحدهما: أن معناه: رُكَّعاً، منحنين ركوعا. وهذا قول ابن عباس (?).
والثاني: أن معناه: متواضعين خشوعا، لا على هيئة متعينة.
والقول الأول أشبه بالصواب: وأصل (السجود) الانحناء لمن سُجد له معظَّما بذلك. فكل منحن لشيء تعظيما له فهو (ساجد) ومنه قول زيد الخيل بن مهلهل الطائي (?):
بَجَمْعٍ تَضَلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ ... تَرَى الأكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ
فقوله: "سجدا"، أي: خاشعة خاضعة، ومن ذلك قول أعشى بني قيس بن ثعلبة (?):
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَواتِ الْمِلَيـ ... كِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً حِوَاراً
فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سجدا}، ركعا، لأن الراكع منحن، وإن كان الساجد أشد انحناء منه (?).
قوله تعالى: {وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} [النساء: 154]، أي: " وأمرناهم ألا يَعْتَدُوا بالصيد في يوم السبت فخالفوا واصطادوا" (?).
قال الطبري: أي: " لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما لم يبح لكم" (?).
قال أبو السعود: " أي: لاتظلموا باصطياد الحيتان {فى السبت} " (?).
قال ابن كثير: " أي: وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرّم الله عليهم، ما دام مشروعًا لهم" (?).
قال النسفي: أي: " لا تجاوزوا الحد" (?).
قال الماتريدي: لا" تعملوا في السبت عملا من الدنيا، وتفرغوا فيه للعبادة" (?).
قال قتادة: " أمر القوم أن يأكلوا الحيتان يوم السبت ولا يعرضوا , وأحلت لهم ما خلا ذلك" (?).
عن صفوان بن عسال المرادي: " أن يهوديا قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه لو سمع صارت أربعة أعين فأتياه فسألاه عن هذه الآية: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تسحروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبلا يده وقالا نشهد أنك نبي قال: فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالا إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن تبعناك أن يقتلنا اليهود" (?).