الخير وسيطا، والدليل على أن العفو هو الغرض المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه قوله: {فإن الله كان عفوا قديرا}، أى: يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله" (?).
وقد جاء في الحديث الصحيح: "ما نقص مال من صدقة، ولا زاد الله عبدا بعفو إلا عزًّا، ومن تواضع لله رفعه الله" (?).
ويحتمل الآية أن العفو والتجاوز خير عند الله من الانتصار، وذلك من وجهين (?):
أحدهما: أن يكون على الترغيب: رغبهم - عز وجل - بالعفو عن السوء والمظلمة، فكما أنه يعفو عن خلقه، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام - فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضا، وإن أنتم قدرتم على الانتصار والانتقام منهم، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب.
والثاني: أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم؛ ليعفو - عز وجل - عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم؛ وعلى ذلك يخرج قوله: {فإن الله كان عفوا قديرا}، فإن الله - عز وجل - أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسيء إليكم.
الفوائد:
1 - استحباب فعل الخير وسره كجهره لا ينقص أجره بالجهر ولا يزيد بالسر.
3 - استحباب العفو عن المؤمن إذا بدا منه سوء، ومن يعف يعف الله عنه.
3 - إثبات اسمين من اسمائه تعالى، وهما: «العفو»، و «القدير»:
و«العفو»: "الصفح عن الذنوب، وترك مجازاة المسيء وقيل: إن العفو مأخوذ من عفت الريح الأثر إذا درسته، فكان العافي عن الذنب يمحوه بصفحه عنه" (?).
و«القدير»: "من القدرة على الشيء. يقال: قدر يقدر قدرة فهو قادر وقدير، كقوله تعالى: {وكان الله على كل شيء قديرا} [الأحزاب: 27] ووصف الله نفسه بأنه قادر على كل شيء، أراده: لا يعترضه عجز ولا فتور، وقد يكون القادر بمعنى المقدر للشيء، يقال: قدرت الشيء وقدرته بمعنى واحد كقوله: {فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات: 23] أي: نعم المقدرون. وعلى هذا يتأول قوله -سبحانه-: {فظن أن لن نقدر عليه} [الأنبياء: 87] أي: لن نقدر عليه الخطيئة أو العقوبة إذ لا يجهز على نبي الأن يظن عدم قدرة الله -جل وعز- عليه فى حال من الأحوال" (?).
القرآن
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150)} [النساء: 150]
التفسير:
إن الذين يكفرون بالله ورسله من اليهود والنصارى، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكذبوا رسله الذين أرسلهم إلى خلقه، أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون بعض، ويزعموا أنَّ بعضهم افتروا على ربِّهم، ويريدون أن يتخذوا طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها والبدعة التي ابتدعوها.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [النساء: 150]، أي: " إن الذين يكفرون بالله ورسله من اليهود والنصارى" (?).
قال القرطبي: " لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب، اليهود والنصارى، إذ كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبين أن الكفر به كفر بالكل، لأنه ما من نبي إلا وقد أمر قومه بالايمان بحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" (?).