والسادس: أن المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لأهل النفاق، إلا من أقام على نفاقه، فإنه لا بأس بالجهر له بالسوء من القول. وهذا قول ابن زيد (?). اعترض عليه الطبري (?).

والسابع: قال ابن المستنير: " {إلا من ظلم}، معناه: إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفرا أو نحوه فذلك مباح، والآية في الإكراه" (?).

والراجح-والله اعلم- أن المعنى: "لا يحب الله، أيها الناس، أن يجهر أحدٌ لأحد بالسوء من القول {إلا من ظلم}، بمعنى: إلا من ظلم، فلا حرج عليه أن يخبر بما أسيء عليه، وإذا كان ذلك معناه، دخل فيه إخبار من لم يُقْرَ، أو أسيء قراه، أو نيل بظلم في نفسه أو ماله" (?).

قرأ العامة: {مَنْ ظُلِمَ}، بضم "الظاء"، وقرأه بعضهم: «إِلا مَنْ ظَلَمَ»، بفتح" الظاء" (?).

قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 148]، أي: " وكان الله سميعًا لما تجهرون به، عليمًا بما تخفون من ذلك" (?).

قال الماتريدي: أي: {سميعا} " بجهر السوء، {عليما} به" (?).

قال الثعلبي: أي: " {سميعا}، لدعاء المظلوم، {عليما}، بعقاب الظالم" (?).

قال السمعاني: أي: " {سميعا}، لأقوالكم: {عليما}، بنياتكم" (?).

قال الباقلاني: " وقالوا: ومن الإحالة في الكلام قولُه: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}، فكأنَّه يُحبُّ من المظلوم أن يجهرَ بالسوء.

وهذا متناقض جدا - زعموا - فيقال لهم: ليس ذلك على ما توهمتم، ومعنى هذه اللفظة الذي هو لفظ الاستثناء لكن لا يُحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول ولكن من ظُلمَ فله أن يُخبرَ بظلمِ من ظلمَهُ ودخول الضرر عليه، ولا يجب الكشفُ عن عورات الناس وزلاتهم وكثرةُ التتبع لهم والتجسسُ عليهم.

وقال بعضهم: قولُه: {إلا من ظُلِمَ}، فإنّه يحل له أن يدعو اللهَ على ظالمه ويستكفَّه شرَّه، ويرغبُ إليه في منعه من ظلمه، وقد قال قومٌ قولُه: {لا يُحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول}، كلام تام، ثم ابتدأ فقال: {إلا من ظُلمَ}، فإن له أن ينتصرَ ويمنعَ الظلمَ ويدفَعَه فبطل بذلك ما قالوه" (?).

الفوائد:

1 - في قوله: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، دليل على أنه ليس في إباحة الشيء في حال - يوجب حظره في حال أخرى؛ لأنه نهي عن الجهر بالسوء من القول، ثم لم يدل ذلك على أنه لا ينهى عن ذلك في غير حال الجهر (?).

2 - حرمة الجهر بالسوء والسر به كذلك فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن ينطق بما يسوء إلى القلوب والنفوس إلا في حالة الشكوى وإظهار الظلم لا غير.

3 - في هذه الآية دلالة على وجوب الإنكار على من تكلم بسوء فيمن كان ظاهره الستر والصلاح لأن الله تعالى قد أخبر أنه لا يجب ذلك وما لا يحبه فهو الذي لا يريده فعلينا أن نكرهه وننكره وقال: {إلا من ظلم}، فما لم يظهر لنا ظلمه فعلينا إنكار سوء القول فيه (?).

4 - إثبات اسمين من أسماءه: «السميع»، و «البصير»:

قال الخطابي: " السميع: بمعنى السامع، إلا أنه أبلغ في الصفة، وبناء فعيل: بناء المبالغة. كقولهم: عليم: من عالم، وقدير: من قادر، وهو الذي يسمع السر والنجوى. سواء عنده الجهر، والخفوت، والنطق، والسكوت، وقد يكون السماع بمعنى القبول والإجابة" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015