2 - إثبات اسمين من اسمائه سبحانه، وهما: «الشاكر»، «العليم»:

فمن أسمائه تعالى: «الشاكرُ، الشَّكور»: الذي لا يضيع سعي العاملين لوجهه بل يضاعفه أضعافاً مضاعفة؛ فإن اللَّه لا يُضيع أجر من أحسن عملاً، وقد أخبر في كتابه وسنّة نبيِّه بمضاعفة الحسنات الواحدة بعشر إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وذلك من شكره لعباده، فبعينه ما يحتمل المتحمّلون لأجله ومن فعل لأجله أعطاه فوق المزيد، ومن ترك شيئاً لأجله عوّضه خيراً منه، وهو الذي وفّق المؤمنين لمرضاته ثم شكرهم على ذلك وأعطاهم من كراماته، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكل هذا ليس حقاً واجباً عليه، وإنّما هو الذي أوجبه على نفسه جوداً منه وكرماً (?).

قال الخطابي: " الشكور: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة فيثيب عليه الكثير من الثواب، ويعطي الجزيل من النعمة، فيرضى باليسير من الشكر، كقوله -سبحانه-: {إن ربنا لغفور شكور} [فاطر: 34]، ومعنى الشكر المضاف إليه: الرضى بيسير الطاعة من العبد والقبول له. وإعظام الثواب عليه -والله أعلم- وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله -جل وعز - بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة. قلت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل فلا يتركوا اليسير من جملته إذا أعوزهم الكثير منه" (?).

ومن أسمائه «العليم»، والْعِلْمُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ.

قال الخطابي: " «العليم»: هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق" (?).

والآدميون -وإن كانوا يوصفون بالعلم- فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات، دون نوع، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان، وقد نجد الواحد منهم عالما بالفقه غير عالم بالنحو وعالما بهما غير عالم بالحساب وبالطب ونحوهما من الأمور، وعلم الله -سبحانه- علم حقيقة، وكمال: {قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12]، {وأحصى كل شيء عددا} [الجن/ 28] (?).

القرآن

{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)} [النساء: 148]

التفسير:

لا يُحِبُّ الله أن يَجهر أحدٌ بقول السوء، لكن يُباح للمظلوم أن يَذكُر ظالمه بما فيه من السوء; ليبيِّن مَظْلمته. وكان الله سميعًا لما تجهرون به، عليمًا بما تخفون من ذلك.

في سبب نزول الآية وجهان:

أحدهما: قال مجاهد: "نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاةٍ من الأرض فلم يضفه، فنزلت: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}، ذكر أنه لم يضفه، لا يزيد على ذلك" (?).

والثاني: قال مقاتل: " نزلت في أبي بكر- رضي الله عنه- شتمه رجل والنبي- صلى الله عليه وسلم- جالس فسكت عنه مرارا ثم رد عليه أبو بكر- رضي الله عنه- فقام النبي- صلى الله عليه وسلم- عند ذلك، فقال أبو بكر- رضي الله عنه-: يا رسول الله، شتمني وأنا ساكت، فلم تقل له شيئا حتى إذا رددت عليه قمت. قال: «إن ملكا كان يجيب عنك، فلما أن رددت عليه ذهب الملك وجاء الشيطان، فلم أكن لأجلس عند مجيء الشيطان» (?) " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015