قال الطبري: أي: " ما يصنع الله، أيها المنافقون، بعذابكم، إن أنتم تُبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادِكم، بالإنابة إلى توحيده، والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالَكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدَّقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟ يقول: لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدَّرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وراجعتم العمل بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه. لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضُرًّا، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه، جزاءٌ منه له على جرَاءته عليه، وعلى خلافه أمره ونهيه، وكفرانِه شكر نعمه عليه. فإن أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم" (?).
قال قتادة: " إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا" (?).
وإن قيل: "لم أخر الإيمان عن الشكر؟
قيل: لأنه عني به معرفة النعمة التي يتوصل به إلى معرفة النعم، ومعرفة المنعم هي الإيمان، فإذا الشكر على هذا الوجه مقدم على الإيمان، لأنه أرفع منه وهو لا ينفك عن الإيمان، والإيمان قد ينفك عنه، ووصفه نفسه بالشكر تنبيها أنه يقابلهم بما يكون منهم، فقد تقدم أن الشكر قد يكون من المولى للعبد بمعنى مقابلته بما يكون من خدمته" (?).
قال الزمخشري: " فإن قلت: لم قدم الشكر على الإيمان؟
قلت: لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع، فيشكر شكرا مبهما، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا، فكان الشكر متقدما على الايمان، وكأنه أصل التكليف ومداره" (?).
قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]، أي: " وكان الله شاكرًا لعباده على طاعتهم له، عليمًا بكل شيء" (?).
قال الزمخشري: أي: " مثيبا موفيا أجوركم عليما بحق شكركم وإيمانكم" (?).
قال ابن كثير: " أي: من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه، وجازاه على ذلك أوفر الجزاء" (?).
قال السمرقندي: " أي: شاكرا للقليل من أعمالكم، عليما بأعمالكم وثوابكم. ويقال: شاكرا يقبل اليسير ويعطي الجزيل، عليما بما في صدوركم. ويقال: بمن شكر وآمن فلا يعذب شاكرا ولا مؤمنا" (?).
قال الماتريدي: أي: " يقبل الإيمان بعد الجحود والتكذيب؛ إذا تاب" (?).
وقيل: {شاكرا}، أي: يقبل القليل من العمل إذا كان خالصا، ليس كملوك الأرض لا يقبلون اليسير من الأشياء" (?).
قال السمعاني: " الشكر من الله قبول العمل" (?).
قال البغوي: " فالشكر من الله تعالى هو الرضى بالقليل من عباده وإضعاف الثواب عليه، والشكر من العبد: الطاعة، ومن الله: الثواب" (?).
قال الراغب: " نبه بقوله: {عليما}، أنه لا يخفى عليه ما يتحراه العبد" (?).
الفوائد:
1 - لا يعذب الله تعالى المؤمن الشاكر لا في الدنيا ولا في الآخرة، فالإيمان والشكر أمان الإنسان.