الصالحة، فأعطوا كل ذي حقّ حقه بقدر مَظْلمته ". فإن كان وليًّا لله، ففضل له مثقال ذرّة، ضاعفها له حتى يُدخله بها الجنة ثمّ قرأ علينا: {إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة}، وإن كان عبدًا شقيًّا، قال الملك: " رب فنيت حسناته، وبقي طالبون كثير "! فيقول: " خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته، ثم صُكُّوا له صكًّا إلى النار" (?).
وبذلك فإن في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40]، وجهان (?):
أحدهما: معناه: فَإن الله لا يبخس أحدًا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه، من ثواب نفقته في الدنيا، ولا من أجرها يوم القيامة ما يزن مثقال ذرة ويكون على قدر ثِقَلها في الوزن.، ولكنه يجازيه به ويُثيبه عليه. وهذا معنى قول قتادة" (?).
والثاني: ان معناه: " إن الله لا يظلم عبدًا وجب له مثقال ذَرّة قِبَل عبد له آخر في مَعاده ويوم لقائه فما فوقه، فيتركه عليه فلا يأخذه للمظلوم من ظالمه، ولكنه يأخذه منه له، ويأخذ من كل ظالم لكل مظلوم تَبِعَتَهُ قِبَله. وهذا معنى قول ابن مسعود (?).
واختار الطبري القول الأول وهو قول قتادة، ثم قال: " ولكلا التأويلين وجه مفهوم، وإنما اخترنا التأويل الأول، لموافقته الأثرَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع دلالة ظاهر التنزيل على صحته، إذ كان في سياق الآية التي قبلها، التي حث الله فيها على النفقة في طاعته، وذمِّ النفقة في طاعة الشيطان. ثم وَصَل ذلك بما وعدَ المنافقين في طاعته بقوله: " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا " (?).
قوله تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40]، "أي: وإِن كانت تلك الذرة حسنة ينمّها ويجعلها أضعافاً كثيرة" (?).
قال الضحاك: " إذا لم يجد له إلا حسنة أدخله بها الجنة" (?).
قال سعيد بن جبير: " {وإن تك حسنة}، وزن ذرة زادت على سيئاته تضاعفها" (?)، وفي رواية أخرى: "فأما المشرك يخفف به عنه العذاب يوم القيامة ولا يخرج من النار أبدا" (?).
قال أبو عبيدة: " {يضاعفها}، أضعافا، ويضعفها ضعفين " (?).
قال الزمخشري: أي: " يضاعف ثوابها لاستحقاقها عنده الثواب في كل وقت من الأوقات المستقبلة غير المتناهية" (?).
قرأ ابن كثير ونافع {وإن تك حسنة} رفعا، وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي حسنة نصبا، وقرأ ابن كثير وابن عامر: {يضعفها}، مشددة، وقرأ الباقون {يضاعفها} بألف خفيفة (?).
قوله تعالى: {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، "أي: ويعط من عنده تفضلاً وزيادة على ثواب العمل أجراً عظيماً" (?).
قال ابن مسعود: "أي: الجنة يعطيها" (?).
قال سعيد بن جبير: "جزاء وافرا في الجنة" (?).
وفي رواية أخرى عن ابن جبير: " الأجرُ العظيم، الجنة" (?)، وروي عن أبي هريرة (?)، والحسن (?)، وعكرمة (?)، والضحاك (?)، وقتادة (?)، والسدي (?)، وابن زيد (?) نحو ذلك.