إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا، فكيف إذا تضمن المنافع. وإنما قدم الإيمان هاهنا وأخره في الآية الأخرى لأن القصد بذكره إلى التخصيص هاهنا والتعليل" (?).
قال الواحدي: " هذا احتجاج على هؤلاء الذين ذكرهم الله بأنهم لا يؤمنون بالله، والمعنى أن الإنسان يُحاسب نفسه فيما عليه وله، فإذا ظهر له ما عليه في فعل شيء من استحقاق العقاب، وما له في تركه من استحقاق الثواب عمل على ذلك في تركه والانصراف عنه، ومعنى الآية كأن الله تعالى يقول: ليتفكروا ولينظروا ماذا عليهم في الإيمان لو آمنوا؟ وهو استفهام في معنى الإنكار" (?).
قال البغوي: " أي: لا يبخس ولا ينقص أحدا من ثواب عمله مثقال ذرة، وزن ذرة، والذرة: هي النملة الحمراء الصغيرة، وقيل: الذر أجزاء الهباء في الكوة وكل جزء منها ذرة ولا يكون لها وزن، وهذا مثل، يريد: إن الله لا يظلم شيئا، كما قال في آية أخرى: {إن الله لا يظلم الناس شيئا} [يونس 44] " (?).
قال القشيري: " ليس فى إيمانهم بالله عليهم مشقة، بل لو آمنوا لوصلوا إلى عزّ الدنيا والآخرة، ولا يحملهم على الإعراض عنه إلا قلة الوفاء والحرمة" (?).
قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا} [النساء: 39]، أي: " والله تعالى عليم بهم وبما يعملون، وسيحاسبهم على ذلك" (?).
قال ابن أبي زمنين: " أي: عليما بأنهم مشركون" (?).
قال مقاتل: "أنهم لن يؤمنوا" (?).
قال الواحدي: " لا ينفعهم ما ينفقونه على جهة الرياء؛ لأن الله بهم عليم مجاز لهم بما يسرون من قليل أو كثير" (?).
قال البيضاوي: " وعيد لهم" (?).
قال ابن كثير: " أي: وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي، الذي مَنْ طُرِدَ عن بابه فقد خاب وخَسِرَ في الدنيا والآخرة، عياذا بالله من ذلك بلطفه الجزيل" (?).
الفوائد:
1 - تضمنت الآية الكريمة: الإنكار والتوبيخ لأولئك المنافقين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
2 - إهتمام القرآن الكريم بالدعوة إلى الإيمان باليوم الآخر غاية الاهتمام، وجمع بين الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر في كثير من الآيات، من ذلك قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
3 - فضيلة الإنفاق في سبيل الله.
4 - لما كان الإخلاص سرا بين العبد وبين ربه، لا يطلع عليه إلا الله أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال: {وكان الله بهم عليما}.
5 - وفي الخطاب في الآية دعوة ربانية لهم لتصحيح إيمانهم واستقامتهم بالخروج من دائرة النفاق التي أوقعهم فيها القرين عليه لعائن الله، فلذا لم يذكر تعالى وعيداً لهم، وإنما قال: {وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً}، وفي هذه تخويف لهم من سوء حالهم إذا استمروا على نفاقهم فإن علم الله بهم يستوجب الضرب على أيديهم إن لم يتوبوا.
القرآن
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]
التفسير: