وفي قوله تعالى: {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} [النساء: 36]، وجهان:
أحدهما: الجار البعيد في نسبه الذي ليس بينك وبينه قرابة، وهو قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، والسدي (?)، وقتادة (?)، وعكرمة (?)، وابن زيد (?)، والضحاك (?).
والثاني: أنه المشرك البعيد في دينه. وهو قول نوف الشامي (?).
والراجح –والله أعلم- أن "معنى، الجنب، في هذا الموضع: الغريبُ البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا "، لما بينا قبل من أن " الجار ذي القربى "، هو الجار ذو القرابة والرحم. والواجب أن يكون " الجار ذو الجنابة "، الجار البعيد، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران قريبهم وبعيدهم" (?).
قال أبو عبيدة: " {والجار الجنب}، الغريب، يقال: ما يأتينا إلا عن جنابة، أي: من بعيد "، قال علقمة بن عبدة (?):
فلا تَحْرِمَنِّي نائلاً عن جَنابَةٍ ... فإني امرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غريبُ
وإنما هي من الاجتناب، وقال الأعشى (?):
أتيتُ حُريثًا زائرًا عن جنابةٍ ... وكان حُرَيثٌ عن عَطَائِيَ جَامِدًا " (?)
يعني بقوله: ن جنابة: " عن بعد وغُربة. ومنه، قيل: " اجتنب فلان فلانًا "، إذا بعد منه " وتجنّبه "، و " جنَّبه خيره "، إذا منعه إياه، ومنه قيل للجنب: جُنُب، لاعتزاله الصلاة حتى يغتسل. فمعنى ذلك: والجار المجانب للقرابة" (?).
قال أبو حفص الدمشقي: " ومنه {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام] [إبراهيم: 35] " (?).
قال السمين الحلبي: " والجنب: مشتق من الجنابة وهي البعد، وسمي الرجل جنبا لبعده عن الطهارة، أو لأنه ضاجع بجنبه ومس به" (?).
وقرئ: {والجار الجنب}، بفتح الجيم وسكون النون (?).
قوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]، أي: " وأحسنوا إلى الرفيق في السفر وفي الحضر" (?).
قال الزجاج: " قيل: هو الصاحب في السفر" (?).
قال الزمخشري: " هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك، إما رفيقا في سفر، وإما جارا ملاصقا، وإما شريكا في تعلم علم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت