قال ابن كثير: "وهذا مذهب جمهور العلماء: إن الحكمين إليهما الجمع والتفرقة" (?).

قال إبراهيم النخعي: " ما صنع الحكمان من شيء فهو جائز عليهما. إن طلقا ثلاثا فهو جائز عليهما. وإن طلقا واحدة وطلقاها على جُعْل، فهو جائز، وما صنعا من شيء فهو جائز" (?).

قال عبيدة: " شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما، فقال علي للحكمين: تدريان، ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن أن تجمعا بينهما جمعتما، وإن رأيتما تفرقا فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله لي وعلي، وقال الزوج: أما الفرقة فلا، فقال علي: كذبت والله، لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك" (?).

قال الطبري: " لم يكن لأحدٍ الفرقةُ بين رجل وامرأة بغير رضى الزوج، ولا أخذُ مال من المرأة بغير رضاها بإعطائه، إلا بحجة يجب التسليم لها من أصل أو قياس، وإن بعث الحكمين السلطانُ، فلا يجوز لهما أن يحكما بين الزوجين بفرقة إلا بتوكيل الزوج إياهما بذلك، ولا لهما أن يحكما بأخذ مال من المرأة إلا برضى المرأة ... وإنما يبعث السلطانُ الحكمين إذا بعثهما، إذا ارتفع إليه الزوجان، فشكا كل واحد منهما صاحبه، وأشكلَ عليه المحقّ منهما من المبطل. لأنه إذا لم يشكل المحق من المبطل، فلا وجه لبعثه الحكمين في أمر قد عرف الحكم فيه" (?).

وقد اختلف الأئمة في الحكمين، على قولين (?):

أحدهما: أن الحكمين منصوبان من عند الحاكم، فيحكمان وإن لم يرض الزوجان، وهو قول الجمهور؛ لقوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} فسماهما حكمين، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديدُ من مذهب الشافعي (?)، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه (?).

والثاني: أنهما وكيلان من جهة الزوجين، أخذا بقول علي- رضي الله عنه -للزوج - حين قال: "أما الفرقة فلا - قال: كذبت، حتى تقر بما أقرت به" (?)، قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج.

قال الزجاج: " وحقيقة أمر الحكمين أنهما يقصدان للإصلاح، وليس لهما طلاق وإنما عليهما أن يعرفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه، فإن رأى الإمام أن يفرق فرق، أو أن يجمع جمع، وإن وكلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة، وما فعل عليّ- رضي الله عنه- فهو فعل للإمام أن يفعله، وحسبنا بعلي عليه السلام إماما، فلما قال لهما: «إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما»، كان قد ولاهما ذلك ووكلهما فيه" (?).

قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: "وأجمع العلماء على أن الحكمين - إذا اختلف قولهما - فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان، واختلفوا: هل ينفذ قولهما في التفرقة؟ ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا" (?).

قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، "أي: إِن قصدا إِصلاح ذات البين وكانت نيتهما صحيحة وقلوبهما ناصحة لوجه الله، بورك في وساطتهما وأوقع الله بين الزوجين" (?).

قال ابن عباس: " وذلك الحكمان، وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب" (?). وفي رواية اخرى: " وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحق والصواب" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015