وقال قتادة: " وإنما يبعث الحكمان ليصلحا، وليس بأيديهما التفرقة ولا يملكان ذلك" (?). وروي عن الحسن نحو ذلك (?).
قال الطبري: " معنى «الحكم»، النظرُ العدلُ" (?).
وفي المأمور بإيفاد الحكمين ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه السلطان إذا تراجع إليه الزوجان، وهو قول سعيد بن جبير (?)، والضحاك (?).
والثاني: أن المأمور بذلك هما الزوجان، وهذا قول السدي (?).
والثالث: أحد الزوجين وإن لم يجتمعا (?).
قال الطبري: " ولا دلالة في الآية تدل على أن الأمر بذلك مخصوص به أحد الزوجين، ولا أثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمة فيه مختلفة، وإذْ كان الأمر على ما وصفنا، فأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يكون مخصوصًا من الآية ما أجمع الجميع على أنه مخصوص منها، وإذْ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون الزوجان والسلطان ممن قد شمله حكم الآية" (?).
واختلف أهل العلم فيما يُبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وفيه أقوال:
أحدها: أن الزوجان يبعثان الحكمين بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما. وليس لهما أن يعملا شيئًا في أمرهما إلا ما وكَّلاهما به، أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به مَن وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه، أو توكيل من وُكل منهما في ذلك. وهذا معنى قول علي-رضي الله عنه- (?)، والسدي (?).
والثاني: إن الذي يبعث الحكمين هو السلطان، غير أنه إنما يبعثهما ليعرفا الظالم من المظلوم منهما، ليحملهما على الواجب لكل واحد منهما قِبَل صاحبه، لا التفريق بينهما. وعلى هذا القول: الحكمان يحكمان في الجمع ولا يحكمان في التفريق. وهذا قول ابن عباس في إحدى الروايات (?)، والحسن (?)، وقتادة (?)، وابن زيد (?)، وقيس بن سعد (?)، وبه قال أحمد بن حنبل (?)، وأبو ثور (?)، وداود (?).
قال ابن كثير: "ومأخذهم قوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} ولم يذكر التفريق، وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين، فإنه يُنَفَّذُ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف" (?).
والثالث: إنما يبعث الحكمين السلطانُ، على أن حكمهما ماضٍ على الزوجين في الجمع والتفريق. وهذا قول عثمان بن عفان (?)، وابن عباس في رواية أخرى (?)، وسعيد بن جبير (?)، وعامر (?)، وإبراهيم (?)، وعكرمة (?)، وابن سيرين (?)، وأبي سلمة بن عبد الرحمن (?).