لي مبغضة "، فيضربها على ذلك أو يُؤذيها. فقال الله تعالى للرجال: " فإن أطعنكم " أي: على بغضهنّ لكم فلا تجنَّوا عليهن، ولا تكلفوهن محبتكم، فإنّ ذلك ليس بأيديهن، فتضربوهن أو تؤذوهن عليه" (?).
ومعنى قوله: {فلا تبغوا}، لا تلتمسوا ولا تطلبوا، من قول القائل: " بغَيتُ الضالة "، إذا التمستها، ومنه قول سحيم عبد بني الحسحاس في صفة الموت (?):
بَغَاكَ وَمَا تَبْغِيِهِ، حَتَّى وَجَدْتَهُ ... كَأَنَّكَ قَدْ وَاعَدْتَهُ أَمْسِ مَوْعِدَا
بمعنى: طلبك وما تطلبه (?).
وفي قوله تعالى: {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34]، وجهان (?):
أحدهما: لا تطلبوا لهن الأذى.
والثاني: هو أن يقول لها لست تحبينني وأنت تعصيني، فيصيّرها على ذلك وإن كانت مطيعة.
قال السمعاني: قوله: {فلا تبغوا عليهن سبيلا} " يعني: بالتعلل، والتجني، وقيل: فلا تكلفوهن محبتكم؛ فإن القلب ليس بأيديهن" (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، أي: " فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن" (?).
قال الزجاج: " أي هو متعال أن يكلف إلا بالحق ومقدار الطاقة" (?).
قال السمعاني: " أي: متعاليا عن أن يكلف العباد ما لا يطيقونه" (?).
قال الزمخشري: أي: " فاحذروه واعلموا أن قدرته عليكم أعظم من قدرتكم على من تحت أيديكم" (?).
قال الطبري: أي: " إن الله ذو علوّ على كل شيء، فلا تبغوا، أيها الناس، على أزواجكم إذا أطعنكم فيما ألزمهن الله لكم من حق سبيلا لعلوِّ أيديكم على أيديهن، فإنّ الله أعلى منكم ومن كل شيء عليكم، منكم عليهن وأكبر منكم ومن كل شيء، وأنتم في يده وقبضته، فاتقوا الله أن تظلموهن وتبغوا عليهن سبيلا. وهن لكم مطيعات، فينتصر لهن منكم ربُّكم الذي هو أعلى منكم ومن كل شيء، وأكبر منكم ومن كل شيء" (?).
قال الصابوني: " انظر كيف يعلمنا سبحانه أن نؤدب نساءنا وانظر إِلى ترتيب العقوبات ودقتها حيث أمرنا بالوعظ ثم بالهجران ثم بالضرب ضرباً غير مبرح ثم ختم الآية بصفة العلو والكبر لينبه العبد على أن قدرة الله فوق قدرة الزوج عليها وأنه تعالى عون الضعفاء وملاذ المظلومين! " (?).
عن سعيد بن جبي، عن ابن عباس قال: "أتاه رجل فقال: يا أبا عباس: سمعت الله يقول: {وكان الله} كأنه شيء كان، قال: أما قوله: {وكان الله}، فإنه لم يزل، ولا يزال وهو الأول والآخر والظاهر والباطن" (?).
الفوائد:
1 - تقرير مبدأ القيومية للرجال على النساء وبخاصة الزوج على زوجته.
2 - إن تفضيل الرجال على النساء يكون من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء.
3 - وجوب إكرام الصالحات والإحسان إليهن.