وقرأ ذلك أبو جعفر يَزيد بن القَعْقاع المدني {بِمَا حَفِظَ اللَّه} بفتح لفظ الجلالة، يعني: بحفظهنّ الله في طاعته وأداء حقه بما أمرهن من حفظ غَيب أزواجهن، كقول الرجل للرجل: " ما حَفِظتَ اللهَ في كذا وكذا "، بمعنى: ما راقبته ولا حِفْتَهُ (?).
قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34]، أي: " واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم" (?).
وفي معنى"الخوف" في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34]، قولان (?):
أحدهما: أنه العلم، فعبر عنه بالخوف، كما قال أبو محجن الثقفي (?):
وَلا تَدْفِنَنَّي فِي الْفَلاةِ فَإِنَّني ... أَخَافُ إذَا مَا مِتّ أَنْ لا أَذُوقُهَا
معناه: فإنني أعلم.
وحكى الزجاج عن أبي عبيدة، قال: " «{إلا أن يخافا} إلا أن يوقنا» (?)، وذلك أن في الخوف طرفا من العلم، لأنك تخاف ما تعلم، وما لا تعلم لا تخافه، فجاز أن يكون بمعنى العلم، كما أن الظن لما كان فيه طرف من العلم جاز أن يكون علما (?).
وقال النحاس: "وقول من قال: يخافا، بمعنى يوقنا، لا يعرف. ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة" (?).
والقول الثاني: أنه الظن، وهو أن يستر على نشوزها بما تبديه من سوء فعلها.
والعرب قد تضع"الظن" موضع"الخوف"، "والخوف" موضع"الظن" في كلامها، لتقارب معنييهما، وحكى الفراء: أن العرب تقول للرجل: قد خرج غلامك بغير إذنك، فيقول له: قد خفت ذاك، يريد: قد ظننته وتوهمته (?)، كما قال أبو الغول الطهوي (?):
أَتَانِي كَلامٌ عَنْ نُصَيْبٍ يَقُوُلُهُ ... وَمَا خِفْتُ، يَا سَلامُ أَنَّكَ عَائِبي
بمعنى: وما ظننتُ.
قال الزجاج: " النشوز كراهة أحدهما صاحبه، يقال نشزت المرأة تنشز وتنشز جميعا" (?).
قال الماوردي: "والنشوز: هو معصية الزوج والامتناع من طاعته بغضاً وكراهة - وأصل النشوز: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض نُشز، فسميت الممتنعة عن زوجها ناشزاً لبعدها منه وارتفاعها عنه" (?).
قوله تعالى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]، أي: " فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه" (?).
قال الماوردي: " أما وعظها فهو أن يأمرها بتقوى الله وطاعته، ويخوفها استحقاق الوعيد في معصيته وما أباحه الله تعالى من ضربها عند مخالفته" (?).
قال الزجاج: " فأمر الله - عز وجل - في النساء أن يبدأن بالموعظة أولا، ثم بالهجران بعد، وإن لم ينجعا فيهن فالضرب، ولكن لا يكون ضربا مبرحا" (?).