الوَالِدَانَ والأَقْرَبُونَ} [النساء: 33]، وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه (?)، وابن زيد (?).
والثالث: أنها نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف، ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك، دون الميراث، وهذا قول ابن عباس في رواية أخرى (?)، ومجاهد (?)، وعطاء (?)، والسدي (?)، وسعيد (?)، وعكرمة في رواية أخرى (?).
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة» (?).
والرابع: أنها نزلت في الذين كانوا يتبنون أبناءَ غيرهم في الجاهلية، فأمروا في الإسلام أنْ يوصوا لهم عند الموت وصيةً، وهذا قول سعيد بن المسيب (?).
والخامس: أنها نزلت في قوم جعل لهم نصيب من الوصية، ثم هلكوا فذهب نصيبهم بهلاكهم، فَأُمِرُوا أن يدفعوا نصيبهم إلى ورثتهم، وهذا قول الحسن البصري (?).
والراجح-والله أعلم- أن المراد: "والذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء، وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها، أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، وأما قوله: {فآتوهم نصيبهم}، فإن الجميع مجمعون على أن حكمه ثابت، وذلك إيتاءُ أهل الحلف الذي كان في الجاهلية دون الإسلام، بعضِهم بعضًا أنصباءَهم من النصرة والنصيحة والرأي، دون الميراث" (?).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {عقدت} بألف، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي {عقدت} بغير ألف (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء: 33]، أي: " إن الله كان مُطَّلِعًا على كل شيء من أعمالكم، وسيجازيكم على ذلك" (?).
قال البيضاوي: " تهديد على منع نصيبهم" (?).
قال النسفي: " أي هو عالم الغيب والشهادة وهو أبلغ وعد ووعيد" (?).
قال القرطبي: أي: " أي قد شهد معاقدتكم إياهم، وهو عز وجل يحب الوفاء" (?).
الفوائد:
1 - تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.
2 - من عاقد أحداً على حلف أو آخى أحداً وجب عليه أن يعطيه حق النصرة والمساعدة وله أن يوصي له بما دون الثلث، أما الإرث فلا حق له لنسخ ذلك.
3 - وجوب مراقبة الله تعالى؛ لأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد.
4 - وصف الله عز وجل بأنه «شهيد»، وهو اسم من أسمائه تعالى:
قال الخطابي: والشهيد: " هو الذي لا يغيب عنه شيء. يقال: شاهد وشهيد كعالم، وعليم. أي: كأنه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شيء.
وقد قال -سبحانه-: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185]. أي: من حضر منكم في الشهر فليصمه، ويكون الشهيد، بمعنى: العليم. كقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] قيل: معناه: علم الله.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى معناه: بين الله أنه لا إله إلا هو، وهو أيضا الشاهد للمظلوم الذي لا شاهد له ولا ناصر على الظالم المتعدي الذي لا مانع له في الدنيا؛ لينتصف له منه" (?).
قال السعدي: " الشهيد؛ أي: المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه" (?).
جاء في الحديث: " اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب" (?).
القرآن
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} [النساء: 34]
التفسير:
الرجال قوَّامون على توجيه النساء ورعايتهن، بما خصهم الله به من خصائص القِوامَة والتفضيل، وبما أعطوهن من المهور والنفقات. فالصالحات المستقيمات على شرع الله منهن، مطيعات لله تعالى ولأزواجهن، حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه، واللاتي تخشون منهن ترفُّعهن عن طاعتكم، فانصحوهن بالكلمة الطيبة، فإن لم تثمر معهن الكلمة الطيبة، فاهجروهن في الفراش، ولا تقربوهن، فإن لم يؤثر فعل الهِجْران فيهن، فاضربوهن ضربًا لا ضرر فيه، فإن أطعنكم فاحذروا ظلمهن، فإن الله العليَّ الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممَّن ظلمهنَّ وبغى عليهن.
في سبب نزول الآية أقوال:
أحدها: أخرج ابن أبي حاتم وغيره (?)، عن الحسن قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القصاص فأنزل الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فرجعت بغير قصاص" (?). وأخرج الطبري عن ابن جريج نحو ذلك (?).
وفي رواية ابن المنذر عن الحسن: " أن رجلا لطم امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينكما القصاص، ونزل القرآن: {ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه} فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله غيره " (?). وأخرج الطبري عن الحسن نحوه (?).
والثاني: ونقل الثعلبي عن الكلبي: "نزلت في أسعد بن الربيع وامرأته بنت محمد بن مسلم" (?).
والثالث: وقال مقاتل: " نزلت في سعد بن الربيع بن عمرو من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج، وذلك أنه لطم امرأته فأتت أهلها فانطلق أبوها معها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أنكحته وأفرشته كريمتي فلطمها. فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: لتقتص من زوجها فأتت مع زوجها لتقتص منه. ثم قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: ارجعوا هذا جبريل- عليه السلام- قد أتاني وقد أنزل الله- عز وجل-: