قال الخطابي: " العليم: هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق. كقوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} [لقمان: 23]. وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم، ولذلك قال -سبحانه-: {وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف: 76]. والآدميون -وإن كانوا يوصفون بالعلم- فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات، دون نوع، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان، وقد نجد الواحد منهم عالما بالفقه غير عالم بالنحو وعالما بهما غير عالم بالحساب وبالطب ونحوهما من الأمور، وعلم الله -سبحانه- علم حقيقة، وكمال {قد أحاط بكل شيء علما} [الطلاق: 12]، {وأحصى كل شيء عددا} [الجن: 28] " (?).
القرآن
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)} [النساء: 33]
التفسير:
ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، والذين تحالفتم معهم بالأيمان المؤكدة على النصرة وإعطائهم شيئًا من الميراث فأعطوهم ما قُدِّر لهم. والميراث بالتحالف كان في أول الإسلام، ثم رُفع حكمه بنزول آيات المواريث. إن الله كان مُطَّلِعًا على كل شيء من أعمالكم، وسيجازيكم على ذلك.
في سبب نزول الآية أقوال:
أحدها: أخرج عبدالرزاق عن قتادة: " كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك , وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بدمي وأطلب بدمك , فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس , فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس , ثم نسخ ذلك بالميراث بعد " , فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6] " (?).
وفي هذا السياق أخرج ابن أبي حاتم عن السدي، عن أبي مالك في قوله: " {والذين عقدت أيمانكم}، الآية. قال: كان الرجل في الجاهلية يأتي القوم، فيعقدون له أنه رجل منهم إن كان ضرا أو نفعا أو دما، فإنه فيهم مثلهم، ويأخذوا له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه، قال: فكانوا إذا كان قتال قالوا: يا فلان: أنت منا فانصرنا، قالوا: وإن كانت منفعة قالوا: أعطنا أنت منا، ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إن استنصروه، وإن نزل به أمر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم، ولم يعطوه مثل الذي يأخذون منه، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه وتحرجوا من ذلك، وقالوا: قد عاقدناهم في الجاهلية، فأنزل الله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}، قال: أعطوهم مثل الذي تأخذون منهم" (?). وأخرجه الطبري عن السدي بنحوه (?).
وقال مقاتل: " كان الرجل يرغب في الرجل فيحالفه ويعاقده على أن يكون معه وله من ميراثه كبعض ولده. فلما نزلت هذه الآية آية المواريث ولم يذكر أهل العقد فأنزل الله- عز وجل-: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}، يقول: أعطوهم الذي سميتم لهم من الميراث" (?).
والثاني: أخرج البخاري (?)، وأبو داود (?)، والنسائي (?)، والطبري (?)، وابن أبي حاتم (?)، وآخرون (?)، عن ابن عباس: " كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصارى دون ذوى رحمه للأخوة التى آخى النبى صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت: {ولكل جعلنا موالى} نسخت، ثم قال {والذين عاقدت أيمانكم}، إلا النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصى له".