قال ابن عباس: " يقول: لا يتمنى الرجل، فيقول: ليت لي مال فلان وأهله، فنهى الله سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله" (?). وروي عن محمد بن سيرين والحسن وعطاء والضحاك نحو ذلك (?).
قال الزمخشري: أي: " ولا تتمنوا نهوا عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد، وبما يصلح المقسوم له من بسط في الرزق أو قبض (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علما بأن ما قسم له هو مصلحته، ولو كان خلافه لكان مفسدة له، ولا يحسد أخاه على حظه" (?).
وفي تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، قولان:
أحدهما: أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازلَ الرجال، وأن يكون لهم ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد والبغي بغير الحق. وهذا قول ابن عباس (?)، ومجاهد (?)، والحسن (?)، وعكرمة (?)، وعطاء (?).
والثاني: أن المعنى: لا يتمنَّ بعضكم ما خصّ الله بعضًا من منازل الفضل. وهذا قول السدي (?)، ومحمد (?)، وروي عن قتادة (?)، وأبي حريز (?)، ومقاتل (?) نحو ذلك.
والقول الأول هو الأشهر. والله أعلم.
قال الماوردي: "والنهي تحريم عند أكثر العلماء، لأنه ليس لأحد أن يقول: ليت مال فلان لي، وإنما يقول ليت مثله لي، ومن قال بهذا اختلفوا في النهي هل هو تحريم أم أدب، فقال الفراء هو أدب (?)، وقال غيره هو تحريم" (?).
قال الفراء: " ليس هذا بنهي محرم إنما هو من الله أدب. وإنما قالت أم سلمة وغيرها: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله}، وقد جاء: «لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهم ارزقني، اللهم أعطني» (?) " (?).
قال الراغب: " التمني: تشهي الإنسان أن يمنى له شيء، أي يقدر، وذلك مذموم، فإن تمنيه إن كان لشيء قدره أن لا يبلغ إلا بالطلب فيجب أن يطلبه لا أن يتشهاه، وإن كان لشيء يأتيه بغير طلب فتشهيه محال، وإن كان الشيء لم يقدر ففي تشهيه معارضة حكمة الله فيما قدر، ولذلك قيل: من تمنى فقد أساء الظن بالله، ولكون ذلك غير مغن، قال الشاعر (?):
[ليتَ شعري وأين مني ليت] ... إن ليتا وإن لوا عناء