وفي هذا السياق أخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس، قال: " أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ولا تتمنوا}: فإنه عدل مني وأنا صنعته" (?).

والثاني: قال مقاتل: " لما نزلت: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (?)، قالت النساء: لم هذا؟ نحن أحق أن يكون لنا سهمان ولهم سهم لأنا ضعاف الكسب والرجال أقوى على التجارة والطلب والمعيشة منا، فإذا لم يفعل الله ذلك بنا فإنا نرجو أن يكون الوزر على نحو ذلك علينا وعليهم فأنزل الله في قولهم كنا نحن أحوج إلى سهمين، قول- سبحانه-: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} " (?).

ونحو هذ السياق أخرج الطبري عن عبد الرزاق قال: "أخبرنا معمر، عن شيخ من أهل مكة قوله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، قال: كان النساء يقلن: ليتنا رجال فنجاهد كما يجاهد الرجال، ونغزو في سبيل الله! فقال الله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} " (?).

وأخرج الواحدي من طريق خصيف عن عكرمة: " أن النساء سألن الجهاد، فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} " (?).

والثالث: أخرج الطبري عن قتادة: " كان أهل الجاهلية لا يورَّثون المرأة شيئًا ولا الصبيَّ شيئًا، وإنما يجعلون الميراث لمن يَحْترف وينفع ويدفع، فلما نَجَزَ للمرأة نصيبها وللصبيّ نصيبه، وجَعل للذكر مثل حظّ الأنثيين، قال النساء: لو كان جعل أنصباءَنا في الميراث كأنصباء الرجال! وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضَّل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضلنا عليهن في الميراث! فأنزل الله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}، يقول: المرأة تُجزى بحسنتها عشر أمثالها، كما يُجْزى الرجل، قال الله تعالى: {واسألوا الله من فضله} " (?). وروي عن أبي حريز نحو ذلك (?).

ونحو هذا السايق أخرج الطبري وابن ابي حاتم (?)، من طريق السدي في هذه الآية: " فإن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعفُ على أجر النساء، كما لنا في السهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران. وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل أجر الرجال، فإنا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا! فأنزل الله تعالى الآية، وقال لهم: سلوا الله من فضله، يرزقكم الأعمال، وهو خير لكم" (?).

والرابع: وفي سياق نزول الآية أخرج عبدالرزاق عن معمر , عن الكلبي: "لا تتمنى زوجة أخيك , ولا مال أخيك , واسأل الله أنت من فضله" (?).

والظاهر أن قوله تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا ... } تخاطب الرجال لا النساء، واستفسار أم سلمة عن النساء يقتضي أن يكون الخطاب لهن، وهذا ما يقال في الروايات الأخرى المذكورة هنا ما عدا رواية عبد بن حميد وما بعدها، ثم إن هذه الآية مرتبطة بما قبلها وهي الآية: (29): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ... } فالنهي عن التمني متصل بالنهي عن أكل بعض الناس أموال بعضهم (?).

ولعل الأرجح نزول آية الأحزاب جوابا لأم سلمة، يقويه نص وسياق الآية. والله أعلم.

قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، أي: " ولا تتمنوا أيها المؤمنون ما خصّ الله به بعضكم على بعض" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015