قال البيضاوي: " {ومن يفعل ذلك}، إشارة إلى القتل، أو ما سبق من المحرمات. عدوانا وظلما إفراطا في التجاوز عن الحق وإتيانا بما لا يستحقه. وقيل أراد بالعدوان التعدي على الغير، وبالظلم ظلم النفس بتعريضها للعقاب" (?).
قال الجصاص: " قيد الوعيد بقوله: {عدوانا وظلما} ليخرج منه فعل السهو والغلط وما كان طريقه الاجتهاد في الأحكام إلى حد التعمد والعصيان" (?).
وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [النساء: 30]، أربعة أقوال:
أحدها: أنه أكل المال بالباطل، وقتل النفس بغير حق. وهذا معنى قول سعيد بن جبير (?)، ومقاتل بن حيان (?)، وبه قال الزجاج (?).
والثاني: أنه متوجه إلى قتل النفس بغير الحق، وهذا قول عطاء (?).
والثالث: أنه متوجه إلى كل ما نهى عنه من أول سورة النساء، من نكاح من حَرّمت نكاحه، وتعدِّي حدوده، وأكل أموال الأيتام ظلمًا، وقتل النفس المحرّم قتلها ظلمًا بغير حق (?). نسب هذا القول إلى ابن عباس (?)، واختاره الطبري (?).
قال الجصاص: " والأظهر عوده إلى ما يليه من أكل المال بالباطل وقتل النفس المحرمة" (?).
والرابع: أنه متوجه إلى قوله تعالى: {لا َيحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} [النساء: 19]، لأن ما قبله مقرون بالوعيد (?).
والخامس: أن هذه الآية فيمن يؤدي الميراث. وهذا قول جرير (?).
والراجح-والله أعلم- أنه متوجه إلى كل ما نعى عنه من اول السورة من قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}، إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ}، من نكاح المحرمات، وعضل المحرَّم عضلُها من النساء، وأكل المال بالباطل، وقتل المحرّم قتله من المؤمنين لأنّ كلّ ذلك مما وعد الله عليه أهلَه العقوبة" (?).
وفي قوله تعالى: {عُدْوَانًا وَظُلْمًا} [النساء: 30]، قولان (?):
أحدهما: يعني تعدياً واستحلالاً.
والثاني: أنهما لفظتان متقاربتا المعنى فحسن الجمع بينهما مع اختلاف اللفظ تأكيداً. ذكره الجصاص (?)، وأبو هلال العسكري (?).
قال الجصاص: " وذكر الظلم والعدوان مع تقارب معانيهما; لأنه يحسن مع اختلاف اللفظ, كقول عدي بن زيد (?):
وقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبا ومينا
والكذب هو المين; وحسن العطف لاختلاف اللفظين. وكقول بشر بن حازم (?):