فأشفقت إن اغتسلت أن أهلكَ، فذكرت قول الله عز وجل {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا" (?).
وروي عن ابن عباس: "أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جُنُب، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فدعاه فسأله عن ذلك، فقال: يا رسول الله، خفْتُ أن يقتلني البرد، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا]} (4) قال: فسكت عنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم" (?).
وروي "أن الحرث بن عبد الله خلا بالنفر من أصحابه وقال: إن هؤلاء ولغوا في دمائهم فلا يحولن بين أحدكم وبين الجنة ملء كف من دم مسلم أهراقه، فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة بيده فأخذ حزة فحزها بيده حتى قطعها فما رقأ دمها حتى مات، فقال ربكم تعالى: بادرني ابن آدم بنفسه فقتلها فقد حرمت عليه الجنة» " (?).
ونقل الثعلبي عن سماك عن جابر بن سمرة: "أن رجلا ذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم" (?).
وعن حماد بن زيد عن عاصم الأسدي: "ذكر بأن مسروقا بن الأجدع أتى صفين فوقف بين الصفين ثم قال: يا أيها الناس أنصتوا، ثم قال: أرأيتم لو أن مناديا ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال: إن الله ينهاكم عما أنتم فيه، أكنتم مطيعيه؟ قالوا: نعم. قال: فو الله لنزل بذلك جبرئيل على محمد فما زال يأتي من هذا ثم تلا: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم}، الآية، ثم انساب في الناس فذهب" (?).
الفوائد:
1 - حرمة مال المسلم، وكل مال حرام وسواء حازه بسرقة أو غش أو قمار أو ربا.
2 - إباحة التجارة والترغيب فيها والرد على جهلة المتصوفة الذين يمنعون الكسب بحجة التوكل.
3 - تقرير مبدأ " إنما البيع عن تراض" (?)، و"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (?).
4 - حرمة قتل المسلم نفسه أو غيره من المسلمين؛ لأنهم أمة واحدة.
القرآن
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} [النساء: 30]
التفسير:
ومن يرتكب ما نهى الله عنه من أخذ المال الحرام كالسرقة والغصب والغش معتديًا متجاوزًا حد الشرع، فسوف يدخله الله نارًا يقاسي حرَّها، وكان ذلك على الله يسيرًا.
قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} [النساء: 30]، "أي ومن يرتكب ما نهى الله عنه معتدياً ظالماً لا سهواً ولا خطأً" (?).
قال ابن كثير: " أي: ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه، ظالما في تعاطيه، أي: عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه" (?).
قال الزجاج: " أي: ومن يأكلها ويقتل النفس - لأن قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم}، أي لا يقتل بعضكم بعضا، فمن فعل ذلك عدوانا وظلما: معنى العدوان أن يعدوا ما أمر به، والظلم أن يضع الشيء في غير
موضعه" (?).