قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البَيْعُ عن تَراض والخِيارُ بعد الصَّفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلمًا" (?).
قال ابن كثير: "ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس ... وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحابهما، وجمهورُ السلف والخلف. ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام، كما هو متفق عليه بين العلماء إلى ما هو أزيد من ثلاثة أيام، بحسب ما يتبين فيه مال البيع، ولو إلى سنة في القرية ونحوها، كما هو المشهور عن مالك، رحمه الله. وصححوا بيع المعاطاة مطلقا، وهو قول في مذهب الشافعي، ومنهم من قال: يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعا، وهو اختيار طائفة من الأصحاب" (?).
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وابن عامر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: {تجارة}، بالرفع (?).
قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، أي: " ولا يقتل بعضكم بعضًا فتهلكوا أنفسكم بارتكاب محارم الله ومعاصيه" (?).
قال الطبري: أي: " ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا في قتله إياه منهم بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما" (?).
قال الثعلبي: " يعني إخوانكم، أي لا يقتل بعضكم بعضا" (?).
وفي قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]، ثلاثة اوجه:
أحدها: يعني لا يقتل بعضكم بعضاً، وهذا قول عطاء (?)، والسدي (?)، وإنما كان كذلك لأنهم أهل دين واحد فصاروا كنفس واحدة، ومنه قوله تعالى {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ} [النور: 61].
والثاني: نهى أن يقتل الرجل نفسه في حال الغضب والضجر (?).
والثالث: أن يعني: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظ نفسه فكأنه قتلها. وهذا قول الفضل بن عياض (?).
وقرأ الحسن: {ولا تقتلوا أنفسكم} مشددا على التكثير (?).
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، أي: " إن الله كان بكم رحيمًا في كل ما أمركم به، ونهاكم عنه" (?).
قال الطبري: أي: " إن الله تبارك وتعالى لم يزل رحيمًا بخلقه، ومن رحمته بكم كفُّ بعضكم عن قتل بعض، أيها المؤمنون، بتحريم دماء بعضكم على بعض إلا بحقها، وحظْرِ أكل مال بعضكم على بعض بالباطل، إلا عن تجارة يملك بها عليه برضاه وطيب نفسه، لولا ذلك هلكتمْ وأهلك بعضكم بعضًا قتلا وسلبًا وغصبًا" (?).
أخرج أحمد وأبو داود عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، أنه قال لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال: "احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمتُ على رسول الله صلى عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: «يا عمرو صَلَّيت بأصحابك وأنت جُنُبٌ! » قال: قلت يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد،