والثاني: أن المعنى: بعضكم يوالي بعضا، ويلابس بعضا في ظاهر الحكم، من حيث شملكم الإسلام، فاجتمعتم فيه، وصرتم متكافئين متماثلين بجمع الإسلام لكم، واستوائكم في حكمه. قال الراعي (?):
فقلت ما أنا ممن لا يواصلني ... ولا ثوائي إلا ريث أحتمل
أي: لا ألابس من لا يواصلني ولا أواليه. والمعنى: دينكم واحد فأنتم متساوون في هذه الجهة، فمتى وقع لأحدكم الضرورة جاز له تزوج الأمة (?).
قال الزجاج: ويقوي هذا الوجه، " لأنه ذكر ههنا المؤمنات من العبيد" (?).
والى هذا أشار ابن عباس في تفسير هذه الآية، فقال: يريد: "المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض " (?).
قال الزجاج: " وإنما قيل لهم ذلك لأن العرب كانت تطعن في الأنساب، وتفخر بالأحساب وتعير بالهجنة، كانوا يسمون ابن الأمة الهجين، فأعلم الله - عز وجل - أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان (?).
وإنما حرم التزوج بالأمة إذا وجد إلى الحرة سبيل لسببين (?):
أحدهما: أن ولد الحر من المملوكة مملوك لسيدها، فلا يجوز له إرقاق ولده ما دام مستغنيا.
والثاني: أن الأمة مستخدمة في الحاجات، ممتهنة بكثرة عشرة الرجال وذلك شاق على الزوج.
قال الزجاج: " فلذلك كره تزوج الحر بالأمة، فأما المفاخرة بالأحساب والتعيير بالأنساب فمن أمر الجاهلية" (?).
وفي هذا السياق يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أربع في أمتي من الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة عليها سرابيل من قطران، ودرع من جرب» (?).
قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: 25]، "أي: فتزوجوهن بأمر أسيادهن وموافقة مواليهن" (?).
قال السدي: " فلتنكح الأمة بإذن أهلها" (?). وروي عن مقاتل بن حيان نحو ذلك (?).
وقال مقاتل بن حيان: " يعني: بإذن أربابهن" (?).
قوله تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25]، " أي: ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفسٍ ولا تبخسوهن منه شيئاً استهانة بهن لكونهن إِماء" (?).
قال ابن زيد: " {وآتوهن أجورهن}، قال: الصداق" (?).
قال مقاتل بن حيان: " يعني: مهورهن بالمعروف" (?).
قال الطبري: " ويعني بقوله: {بالمعروف}: على ما تراضيتم به، مما أحلَّ الله لكم، وأباحه لكم أن تجعلوه مهورًا لهن" (?).