الصبر عن الجماع، والصبر عن نكاح الإماء مع العفة أولى وأفضل. والله تعالى غفور لكم، رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح الحرائر.
قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]، " أي: من لم يكن منكم ذا سعة وقدرة أن يتزوج الحرائر والمؤمنات" (?).
قال الطبري: أي: " ومن لم يجد منكم سعة من مالٍ لنكاح الحرائر، فلينكح مما ملكت أيمانكم" (?).
وفي تفسير: {الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25]، قولان:
أحدهما: أنهن الحرائر. وهذا قول ابن عباس (?)، وروي عن عطية ومجاهد ومقاتل بن حيان وقتادة نحو ذلك (?).
والثاني: أنّ المحصنات العفائف. قاله السدي (?).
وفي معنى "الطوْل" ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الغنى والسعة الموصل إلى نكاح الحرّة، وهذا قول ابن عباس (?)، وقتادة (?)، ومجاهد (?)، وسعيد بن جبير (?)، والسدي (?)، وابن زيد (?)، والشافعي (?)، ومالك (?).
والثاني: هو أن تكون تحته حرة، وهو قول أبي حنيفة (?).
والثالث: هو الهوى وهو أن يهوى أَمَةً فيجوز أن يتزوجها، إن كان ذا يسار وكان تحته حرة، وهذا قول جابر (?)، وربيعة (?)، والشعبي (?)، وعطاء (?).
والراجح –والله أعلم-أن " معنى الطَّوْل في هذا الموضع، السعة والغنى من المال، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرِّم شيئًا من الأشياء سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة فأحلَّ ما حرم من ذلك عند غلبة المحرَّم عليه له، لقضاء لذة. فإذْ كان ذلك إجماعًا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول: لا يُحَلُّ له من أجل غلبة هوًى عنده فيها، لأن ذلك مع وجوده الطولَ إلى الحرة منه قضاء لذة وشهوة، وليس بموضع ضرورة ترفع برخصة، كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه، فيترخص في أكلها ليحيي بها نفسَه، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاكَ منه، ما حرم عليهم منها في غيرها من الأحوال. ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبدٍ في حرام لقضاء لذة. وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبَه هوى امرأة حرّة أو أمة، أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به، ما يوضّح فساد قول من قال: معنى الطول، في هذا الموضع: الهوى، وأجاز لواجد الطول لحرة نكاحَ الإماء" (?).
قال الماوردي: "وأصل الطَوْل: الفضل والسعة، لأن المعنى كالطول في أنه ينال به معالي الأمور، ومنه قولهم ليس فيه طائل أي لا ينال به شيء من الفوائد، فكان هو الأصح من تأويلاته" (?).