قال النحاس: " أي: هو عليم بما فرض حكيم في النكاح" (?).
قال الطبري: أي: " إن الله كان ذا علم بما يُصلحكم، أيها الناس، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه، حكيما فيما يدبر لكم ولهم من التدبير، وفيما يأمركم وينهاكم، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل" (?).
وفي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 24]، ثلاثة وجوه:
أحدها: كان عليماً بالأشياء قبل خلقها، حكيماً في تقديره وتدبيره لها، وهذا قول الحسن (?).
والثاني: أن القوم شاهدوا عِلماً وحكمة فقيل لهم إن كان كذلك لم يزل، وهذا قول سيبويه (?).
والثالث: أن الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل، لأن الأشياء عند الله في حال واحدة، ما مضى وما يكون وما هو كائن. وهذا مذهب الكوفيين (?).
قال الزجاج: " والقولان الأولان هما الصحيحان، لأن العرب خوطبت بما تعقل، ونزل
القرآن بلغتها فما أشبه من التفسير كلامها فهو أصح، إذ كان القرآن بلغتها نزل" (?).
الفوائد:
1 - تحريم المرأة المتزوجة حتى يفارقها زوجها بطلاق أو موت وحتى تنقضي عدتها.
2 - جواز نكاح المملوكة باليمين وإن كان زوجها حياً في دار الحرب إذا أسلمت؛ لأن الإسلام فصل بينهما.
3 - وجوب المهور، وجواز إعطاء المرأة مهرها لزوجها شيئاً.
4 - دخل في قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} كلُّ ما لم يذكر في هذه الآية، فإنه حلال طيب. فالحرام محصور والحلال ليس له حد ولا حصر لطفًا من الله ورحمة وتيسيرًا للعباد.
5 - إثبات اسمين من اسمائه تعالى، وهما: «العليم»، و «الحكيم»:
فمن أسمائه «العليم»، والْعِلْمُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ، ، فهو سبحانه «العليم» المحيط علمه بكل شيء، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (?).
و«الحكيم»: "هو المحكم لخلق الأشياء. قال تعالى: {آلر، تلك آيات الكتاب الحكيم} [يونس: 1] وقال في موضع آخر: {كتاب أحكمت آياته} [هود: 1].
فدل على أن المراد بـ «الحكيم» هنا، الذي أحكمت آياته، صرف عن مفعل إلى فعيل، ومعنى الإحكام لخلق الأشياء، إنما ينصرف إلى إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها (?).
القرآن
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)} [النساء: 25]
التفسير:
ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح غيرهن، من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم، بعضكم من بعض، فتزوجوهن بموافقة أهلهن، وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم، متعففات عن الحرام، غير مجاهرات بالزنى، ولا مسرات به باتخاذ أخلاء، فإذا تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدِّ -وهو الجَلْدُ لا الرَّجْمُ- نصف ما على الحرائر. ذلك الذي أبيح مِن نكاح الإماء بالصفة المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى، وشق عليه