والثاني: أخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر (?)، عن عدي بن ثابت، عن رجل من الأنصار قال: توفي أبو قيس وكان من صالح الأنصار فخطب ابنه قيس امرأته، فقالت: إنما أعدك ولدا، وأنت من صالحي قومك، ولكن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا قيس توفي. -فقال: خيرا- إن ابنه قيس خطبني وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدا، فما ترى؟ قال لها: ارجعي إلى بيتك. قال: فنزلت هذه الآية: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} " (?).

قال مقاتل: " نزلت في محصن بن أبي قيس ابن الأسلت بن الأفلح الأنصاري. وفي امرأته كبشة بنت معن بن معبد ابن عدي بن عاصم الأنصاري من الأوس من بنى خطمة ابن الأوس" (?). وزاد الثعلبي: "وفي أبي مكيل العدوي، تزوج امرأة أبيه" (?).

قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22]، "أي: لا تتزوجوا ما تزوج آباؤكم من النساء لكن ما سبق فقد عفا الله عنه" (?).

قال مقاتل: " لأن العرب كانت تفعل ذلك قبل التحريم، وذلك أن محصن مات أبوه فشد على امرأته فتزوجها، وهو محصن بن أبي قيس بن الأسلت الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج وكبشة بنت معن بن معبد، وفي شريك وفى امرأته كحة" (?).

قال أبو عبيدة: " نهاهم أن ينكحوا نساء آبائهم، ولم يحلّ لهم ما سلف، أي ما مضى، ولكنه يقول: إلّا ما فعلتم" (?).

قال الأخفش: " معناه: فانكم تؤخذون به. فلذلك قال: {إلا ما قد سلف}، أي: فليس عليكم جناح" (?).

قال الزجاج: " المعنى: لا تنكحوا كما كان من قبلكم ينكح ما نكح أبوه، فهذا معنى

{إلا ما قد سلف} " (?).

قال الواحدي: " كان الرَّجل من العرب يتزوَّج امرأة أبيه من بعده وكان ذلك نكاحاً جائزاً في العرب فحرَّمه الله تعالى ونهى عنه وقوله: {إلاَّ ما قد سلف} يعني: لكن ما قَدْ سلف فَإِن اللَّه تجاوز عَنْهُ" (?).

أخرج سفيان الثوري عن بن عباس قال: " يحرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [الآية 23] " (?).

وفي روياة أخرى لابن عباس: " كل امرأة تزوجها أبوك أو ابنك دخل أو لم يدخل بها، فهي عليك حرام" (?).

وروي عن الحسن في قوله: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء}، قال: "هو أن تملك عقدة النكاح وليس بالدخول" (?).

وعن أبي بكر بن أبي مريم، عن مشيخة قال: "لا ينكح رجل امرأة جد أبي أمه لأنه من الآباء يقول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} " (?).

وعن أبي بن كعب: " أنه كان يقرؤها: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إلا من مات" (?).

وعن عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى: {إلا ما قد سلف}، يقول: في جاهليتكم" (?).