واختلفوا في النكاح ههنا، على قولين (?):

الأول: حمله أصحاب أبي حنيفة على الجماع، وقال: هو حقيقة فيه، فحرموا كل امرأة باضعها الأب حلالا أو حراما على الابن.

والثاني: وحمله الشافعي على العقد، وقال: هو حقيقة فيه، ولم يحرم من النساء على الابن إلا ما تزوج بها أبوه دون من زنى بها.

قال الراغب: "والصحيح أنه للعقد، لأن أسماء الجماع والفرج والغائط في لسانهم كنايات، وذلك أنهم لما عنوا بإخفاء هذه الأشياء أخفوا أيضا أسماءها، فعدلوا عن التصريح إلى الكنايات. حتى إنهم متى عرف فيما بينهم كناية في شيء من ذلك عدلوا إلى كناية أخرى، ومن تتبع كلامهم عرف ما قلته، فكيف يستعيرون لفظ الجماع لما هو أحسن عندهم منه، ثم لا خلاف أن العقدية مراد، ولا خلاف أيضا أن الوطء بملك اليمين يجري مجرى العقد في العقد بها" (?).

قال الإمام الشافعي: " فأي امرأة نكحها رجل، حرمت على ولده، دخل بها الأب، أو لم يدخل بها، وكذلك ولد ولده من قبل الرجال والنساء، وإن سفلوا؛ لأن الأبوُّة تجمعهم معاً، كان [في الجاهلية] أكبر ولد الرجل يخلف على امرأة أبيه، وكان الرجل يجمع بين الأختين، فنهى - عز وجل - أن يكون منهم أحد يجمع في عمره بين أختين، أو ينكح ما نكح أبوه إلا ما قد سلف في الجاهلية قبل علمهم بتحريمه " (?).

قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} [النساء: 22]، أي: " إن زواج الأبناء من زوجات آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه، وبغيض يمقت الله فاعله" (?).

قال عطاء بن أبي رباح: " يمقت الله عليه" (?).

قال الواحدي: أي: "أن ذلك النكاح زنا عند الله و {ومقتاً} بغضاً شديدا" (?).

قال الزجاج: " المعنى: إلا ما قد سلف فإنه كان فاحشة، أي زنا، {ومقتا}، و «المقت»: أشد البغض، فالمعنى: أنهم أعلموا أن ذلك في الجاهلية كان يقال له مقت، وكان المولود عليه يقال له المقتي. فأعلموا أن هذا الذي حرم عليهم لم يزل منكرا في قلوبهم ممقوتا عندهم" (?).

قوله تعالى: {وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء: 22]، " أي: بئس ذلك النكاح القبيح الخبيث طريقاً" (?).

قال الزمخشري: " ومن ثم قيل {ومقتا}، كأنه قيل: هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح، قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين" (?).

قال الواحدي: أي: "وقَبُحَ ذلك الفعل طريقاً" (?).

عن عطاء بن أبي رباح: {وساء سبيلا}، قال: طريقا لمن عمل به" (?).

قال مقاتل: " يعني وبئس المسلك" (?).

قال أبو عبيدة: " أي: سوء طريقة ومسلكا، ومن كان يتزوج امرأة أبيه فولد له منها، يقال له: مقتي ومقتوي، من قتوت، وهذا من مقت " (?).

الفوائد:

1 - تحريم مناكح الجاهلية إلا ما وافق الإسلام منها، وخاصة أزواج الآباء، فزوجة الأب محرمة على الابن ولو لم يدخل بها الأب وطلقها أو مات عنها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015