قال الزمخشري: " والميثاق الغليظ: حق الصحبة والمضاجعة، كأنه قيل: وأخذن به منكم ميثاقا غليظا، أى بإفضاء بعضكم إلى بعض. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه، فقد قالوا: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ " (?).
واختلف في ثبوت حكمها أو نسخه على قولين:
أحدهما: أنها محكمة، لا يجوز له أن يْأخذ منها شيئاً مما أعطاها سواء كانت هي المريدة للطلاق أو هو، وهو قول بكر بن عبد الله المزني (?).
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا} [البقرة: 229]، وهذا قول ابن زيد (?).
والراجح: أنها " محكمة غير منسوخة، وغير جائز للرجل أخذ شيء مما آتاها، إذا أراد طلاقها من غير نشوز كان منها، ولا ريبة أتت بها، وذلك أن الناسخ من الأحكام، ما نَفَى خلافه من الأحكام، وليس في قوله: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج}، نَفْي حكمِ قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]. لأن الذي حرَّم الله على الرجل بقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20]، أخذُ ما آتاها منها إذا كان هو المريدَ طلاقَها. وأما الذي أباح له أخذَه منها بقوله: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، فهو إذا كانت هي المريدةَ طلاقَه وهو له كاره، وليس في حكم إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى.
وإذ كان ذلك كذلك، لم يجز أن يُحكم لإحداهما بأنها ناسخة، وللأخرى بأنها منسوخة، إلا بحجة يجبُ التسليم لها، وأما ما قاله بكر بن عبد الله المزني: من أنه ليس لزوج المختلعة أخذُ ما أعطته على فراقه إياها، إذا كانت هي الطالبةَ الفرقةَ، وهو الكاره فليس بصواب، لصحة الخبَرِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أمرَ ثابت بن قيس بن شماس (?) بأخذ ما كان ساق إلى زوجته وفراقِها إذ طلبت فراقه، وكان النشوز من قِبَلها" (?).
الفوائد:
1 - وجوب مراعاة العهود والوفاء بها.
2 - أن عقد النكاح هو عهد مؤكد، ولايجوز للرجل مضايقة الزوجة حتى تتنازل عن مهرها أو عن شيء منه.
القرآن
{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)} [النساء: 22]
التفسير:
ولا تتزوجوا مَن تزوجه آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف منكم ومضى في الجاهلية فلا مؤاخذة فيه. إن زواج الأبناء من زوجات آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه، وبغيض يمقت الله فاعله، وبئس طريقًا ومنهجًا ما كنتم تفعلونه في جاهليتكم.
في سبب نزول الآية وجهان:
أحدهما: أخرج الطبري عن عكرمة، قال: "نزلت في أبي قيس بن الأسلت، خلفَ على أمِّ عبيد بنت صخر، كانت تحت الأسلت أبيه وفي الأسود بن خلف، وكان خَلَف على بنت أبي طلحة بن عبد العُزّى بن عثمان بن عبد الدار، وكانت عند أبيه خلف وفي فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسَد، وكانت عند أمية بن خلف، فخلف عليها صفوان بن أمية وفي منظور بن زبّان، وكان خلف على مُليكةِ ابنة خارجة، وكانت عند أبيه زَبَّان بن سيّار" (?).