عن مجاهد: {وقد أفضى بعضكم إلى بعض}، قال: مجامعة النساء" (?). وروي عن السدي مثله (?).
قال الزجاج: " الإفضاء أصله الغشيان، وقال بعضهم إذا خلا فقد أفضى، غشي أو لم" (?).
والإفضاء إلى الشيء، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له، قال الشاعر (?):
بَلِينَ بِلًى أَفْضَى إلَى كُلِّ كُتْبَةٍ ... بَدَا سَيْرُهَا مِنْ بَاطِنٍ بَعْدَ ظَاهِرِ
يعني بذلك: أن الفساد والبلى وصل إلى الخُرَز. والذي عُني به الإفضاء في هذا الموضع، الجماعُ في الفرج (?).
قال الشَّافِعِي رحمه الله: "يقول اللَّه تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} الآية، حَظْرٌ لأِخذِه - أي: المهر أو شيء مما أعطي للمرأة- إلا من جهة الطلاق قبل الإفضاء، وهو: الدخول، فيأخذ نصفه بما جُعل له، ولأنه لم يوجب عليه أن يدفع إلا نصف المهر في تلك الحال، وليس بَحَظْر منه إن دخل أن يأخذه إذا كان ذلك من قِبَلِهَا، وذلك لأنَّه إنما حَظَرَ أخذه إذا كان من قبل الرجل، فأما إذا كان من قِبَلِها، وهي طيبة النفس به فقد أذن به في قول اللَّه تبارك وِتعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) الآية" (?).
قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، " أي: وأخذن منكم عهداً وثيقاً مؤكداً هو» عقد النكاح" (?).
قال الطبري: " أيْ: ما وثَّقتم به لهنَّ على أنفسكم، من عهد وإقرار منكم بما أقررتم به على أنفسكم، من إمساكهن بمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان" (?). قال القاسمي: "أي: عهدا وثيقا مؤكدا مزيد تأكيد، يعسر معه نقضه. كالثوب الغليظ يعسر شقه" (?).
قال قتادة: " والميثاق الغليظ الذي أخذه للنساء على الرجال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان في عقد المسلمين عند إنكاحهم: آلله عليك لتمسكنَّ بمعروف أو لتسرحن بإحسان" (?).
قال السدي: " {غليظا} يعني: شديدا" (?).
وفي قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه عقد النكاح الذي استحل به الفرج، وهو قول مجاهد (?)، ومحمد بن كعب القرظي (?)، وابن زيد (?).
والثاني: أنه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وهو قول الضحاك (?)، والسدي (?)، والحسن (?)، وابن سيرين (?)، وقتادة (?).
والثالث: أنه عنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» (?). وهذا قول جابر (?)، وعكرمة (?)، والربيع (?).