لا تغتر -أيها الرسول- بما عليه أهل الكفر بالله من بسطة في العيش، وسَعَة في الرزق، وانتقالهم من مكان إلى مكان للتجارات وطلب الأرباح والأموال، فعمَّا قليل يزول هذا كلُّه عنهم، ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة.

في سبب نزول هذه الآية والتي بعدها قولان:

أحدهما: قال مقاتل، والثعلبي (?): " نزلت في مشركي العرب وذلك أن كفار مكة كانوا في رخاء ولين عيش حسن فقال بعض المؤمنين: أعداء الله فيما ترون من الخير وقد أهلكنا الجهد. فأخبر الله- عز وجل- بمنزلة الكفار في الآخرة، وبمنزلة المؤمنين في الآخرة، فقال- سبحانه-: {لا يغرنك} " (?).

وفي السياق نفسه قال الزجاج: " يروى أن قوما من الكفار كانوا يتجرون ويربحون في أسفار كانوا يسافرونها، فأعلم الله عز وجل - أن ذلك مما لا ينبغي أن يغبطوا به، لأن مصيرهم بكفرهم إلى النار ولا خير بخير بعده النار" (?).

والثاني: وقال الفراء: "كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال، فقال الله عز وجل:

لا يغرنك ذلك" (?).

قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ} [آل عمران: 196]، "أي: لا يخدعنّك أيها السامع" (?).

قال الحسن: " قال: لا تغتر بأهل الدنيا يا محمد" (?).

قال مقاتل: " لا يغرنك يا محمد- صلى الله عليه وسلم-" (?).

قال السمرقندي: " لا يحزنك يا محمد" (?).

قال الزجاج: " خطاب للنبى - صلى الله عليه وسلم - وخطاب للخلق في هذا الموضع، المعنى لا يغرنكم أيها المؤمنون" (?).

قال الطبري: أي: " ولا يغرنك يا محمد، وخرج الخطاب بذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنيُّ به غيره من أتباعه وأصحابه، كما قد بينا فيما مضى قبل من أمر الله ولكن كان بأمر الله صادعًا، وإلى الحق داعيًا" (?).

وإن قيل: لا يجوز عليه-صلى الله عليه وسلم- الاغترار، فكيف خوطب بهذا، فعنه جوابان (?):

أحدهما: أن الله عز وجل إنما قال له ذلك تأديباً وتحذيراً.

والثاني: أنه خطاب لكل من سمعه، فكأنه قال: لا يغرنك أيها السامع تقلب الذين كفروا في البلاد.

قال الثعلبي: " والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، لأنه لم يغير لذلك" (?).

قال البيضاوي: " والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، أو تثبيته على ما كان عليه كقوله فلا تطع المكذبين أو لكل أحد، والنهي في المعنى للمخاطب" (?).

قال أبو السعود: " بيان لقبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها إثر بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على أن المراد تثبيته على ما هو عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015