ونقل الثعلبي عن الأصمعي قال: "سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سألني عمرو بن عبيد: أيخلف الله وعده؟ قلت: لا. قال: فيخلف الله وعيده؟ قلت: نعم. قال: ولم؟ قلت: لأن في خلفه الوعد علامة ندم وفي خلفه الوعيد إظهار الكرم، ثم أنشأ يقول (?):
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ... ولا أختبي من خشية المتهدد
إني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي" (?)
قال الزمخشري: " وهذا تعليم من الله كيف يدعى وكيف يبتهل إليه ويتضرع. وتكرير {ربنا} من باب الابتهال، وإعلام بما يوجب حسن الإجابة وحسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين الله، والصبر على صعوبة تكاليفه، وقطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه " (?).
وروى عن جعفر الصادق رضى الله عنه: "من حزبه أمر فقال خمس مرات (ربنا) أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ هذه الآية" (?).
الفوائد:
1 - أنه ينبغي للداعي أن يكثر من الثناء على الله تعالى بأسمائه وصفاته، لأن هذا من وسائل إجابة الدعاء.
2 - كمال إيمان هؤلاء بوعد الله، لقوله: {وآتنا ما وعدتنا}، إذ لو كان عندهم شك ما سألوا هذا السؤال.
3 - أن الرسل هم الواسطة بين الله وبين خلقه، لقوله: {على رسلك}.
4 - إثبات أن الخلق لهم أكثر من رسول، لقوله: {على رسلك}، لأن "رسل" جمع "رسول"، وهذا أمر معلوم باليقين القطعي، فالقرآن كله مملوء بقصص الأنبياء.
5 - أن هؤلاء الابرار يؤمنون بيوم القيامة وبما يلحق الناس به من الذل والخزي، لقوله: {ولاتخزنا يوم القيامة}.
6 - أن الخوف من عذاب الله لاينافي البر، لقولهم: {ولا تخزنا يوم القيامة}، بل إن الخوف من عذاب الله يزيد البر، لأنه يزيد تصديقا بما أخبر الله به.
7 - كمال صدق الله وقدرته، فالله لايخلف الميعاد أبدا، أما قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، فإن عفوه عمن استحق العقاب لايعد إخلافا للوعد لأنه قادر، ولكنه كمال فوق كمال، إذ إن العفو عن الانتقام مع القدرة كمال، قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149].
القرآن
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} [آل عمران: 195]
التفسير:
فأجاب الله دعاءهم بأنه لا يضيع جهد مَن عمل منهم عملا صالحًا ذكرًا كان أو أنثى، وهم في أُخُوَّة الدين وقَبول الأعمال والجزاء عليها سواء، فالذين هاجروا رغبةً في رضا الله تعالى، وأُخرجوا من ديارهم، وأوذوا في طاعة ربهم وعبادتهم إيّاه، وقاتلوا وقُتِلوا في سبيل الله لإعلاء كلمته، ليسترنَّ الله عليهم ما ارتكبوه من المعاصي، كما سترها عليهم في الدنيا، فلا يحاسبهم عليها، وليدخلنَّهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار جزاء من عند الله، والله عنده حسن الثواب.
في سبب نزول الآية: