أخرج الترمذي (?)، والحاكم (?)، وعبدالرزاق (?)، والطبري (?)، والواحدي (?)، من طريق عمرو بن دينار عن أبي عمر بن أبي سلمة -رجل من ولد أم سلمة- قال: "قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} ".
وفي السياق نفسه أخرج ابن المنذر عن سفيان، قال: " قالت امرأة، أو نسوة: هاجرنا، ولا تذكر الهجرة والجهاد إلا فيكم؟ فأنزل الله جل ثناؤه: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}، قال سفيان: وفيه يهلك الخوارج" (?).
وظاهر الرواية هنا أن الاستجابة كانت لقول أم سلمة -أو تلك المرأة في رواية ابن المنذر-، والظاهر أن قول أم سلمة لم يكن سببا مباشرا، وأن الله عز وجل استجاب لها في هذا الفصل القرآني العظيم حين اقتضت حكمته نزوله على نبيه. لأن السياق القرآني يدل على أن الاستجابة في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} كانت لدعاء "أولي الألباب" السابق ذكرهم في الآيات، والله أعلم (?).
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195]، "أي: فأجاب الله دعاءهم بقوله إِني لا أُبطل عمل من عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أُنثى " (?).
قال الثعلبي: أي: " لا أضيع لا أحبط ولا أبطل عمل عامل منكم أيها المؤمنون من ذكر أو أنثى" (?).
قال ابن كثير: " معنى الآية: أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا - مما تقدم ذكره - فاستجاب لهم ربهم - عقب ذلك بفاء التعقيب، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وقوله: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} هذا تفسير للإجابة، أي قال لهم مُجِيبًا لهم: أنه لا يضيع عمل عامل لديه، بل يُوَفّي كل عامل بقسط عمله، من ذكر أو أنثى" (?).
قال ابن عباس: " قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ}، قال: أهل لا إله إلا الله، أهل التوحيد، والإخلاص، لا أخزيهم يوم القيامة " (?).
قال الماتريدي: " هذا يدل أن الوعد لهم كان مقرونا بشرط السؤال؛ لأنه قال: {فاستجاب لهم}، والاستجابة تكون على أثر السؤال؛ كقوله - عز وجل -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ... } [البقرة: 186] الآية" (?).
قال أبو عبيدة: " {فَاسْتَجابَ لَهُمْ}، أي: أجابهم، وتقول العرب: استجبتك، فى معنى استجبت لك، قال الغنوىّ (?):
وَدَاعٍ دَعَا: يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ" (?)
أي: فلم يجبه.
وفي قوله تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [عمران: 195]، وجوه: