وذلك على إضمار " ألسن " كقوله - عز وجل -: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47].

والثاني: أن المعنى: وآتنا ما جعلت على رسلك من الاستغفار للمؤمنين؛ كقوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19]، وكقول إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41]، وكقول نوح - عليه السلام -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28] (?).

والثالث: أن معناه: على الإيمان برسلك (?).

والأول أظهر، وعليه أكثر المفسرين (?). والله أعلم.

وإن قيل: فقد علموا أن الله تعالى منجز وعده، فما معنى هذا الدعاء والطلب؟

قيل في ذلك أربعة أجوبة (?):

أحدها: أن المقصود به، مع العلم بإنجاز وعده، الخضوع له بالدعاء والطلب.

قال الماتريدي: " أن السؤال عما على الله عزّ وجل أن يعطي - يخرج مخرج الدعاء له ربنا لا تجر ولا تظلم، إن هذا لا يقال إلا لمن يخاف الجور منه والظلم؛ إذ يعلم أن ذلك عليه، والسؤال عما قد أعطى محال؛ لأنه يخرج مخرج كتمان ما أعطى، أو ليس عنده ما يعطيهم؛ فيخرج مخرج السخرية به؛ لذلك بطل السؤال" (?).

والثاني: أن ذلك يدعو إلى التمسك بالعمل الصالح.

والثالث: معناه أجعلنا ممن وعدته ثوابك.

والرابع: يعني عّجل إلينا إنجاز وعدك وتقديم نصرك.

والذي هو أولى الأقوال بالصواب، هو القول الأخير، أي: "أن هذه الصفة، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره، مفارقًا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله، وغيرهم من تُبّاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم، فقالوا: ربنا آتنا ما وعدتنا من نُصرتك عليهم عاجلا فإنك لا تخلف الميعاد، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم، فعجل لهم خزيهم، ولنا الظفر عليهم، يدل على صحة ذلك آخر الآية الأخرى، وهو قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا} الآيات بعدها" (?).

وقرأ الأعمش: {رسلك}، بالتخفيف (?).

قوله تعالى: {وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 194]، أي: و"لا تفضحنا يوم القيامة" (?).

قال مقاتل: " يعني ولا تعذبنا يوم القيامة" (?).

قال الطبري: أي: " ولا تخزنا يوم القيامة فتفضحنا بذنوبنا التي سلفت منا، ولكن كفِّرها عنا واغفرها لنا" (?).

قال السمرقندي: " يعني لا تعذبنا، ويقال: لا تخذلنا" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015