والراجح-والله اعلم- هو القول الثاني، أي: أن " من أدخل النار فقد أخزي بدخوله إياها، وإن أخرج منها، وذلك أن الخزي إنما هو هتك ستر المخزيّ وفضيحته، ومن عاقبه ربه في الآخرة على ذنوبه، فقد فضحه بعقابه إياه، وذلك هو الخزي " (?).
قال ابن عطية: " أما إنه خزي دون خزي وليس خزي من يخرج منها بفضيحة هادمة لقدره، وإنما الخزي التام للكفار" (?).
قال ابن عثيمين: " {من} تشمل العصاة والكفار، فالعصاة مستحقون لدول النار، وإذا أدخلوا النار فإنهم غير مظلومين، لأنهم مستحقون لذلك، والكفار مستحقون لدخولها على وجه التأبيد والتخليد، وكل منهم إذا أدخل النار فقد أخزاه الله أمام العالم، أي: فضحه وهتك ستره" (?).
قوله تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران: 192]، أي: " وليس للظالمين من يمنعهم من عذاب الله" (?).
قال مقاتل: " يعني: وما للمشركين من مانع يمنعهم من النار" (?).
قال ابن كثير: " أي: يوم القيامة لا مُجِير لهم منك، ولا مُحِيد لهم عما أردت بهم" (?).
قال الطبري: " وما لمن خالف أمر الله فعصاه، من ذي نُصرة له ينصره من الله، فيدفع عنه عقابه، أو ينقذه من عذابه" (?).
قال الماتريدي: " أي: مانع يمنع عنهم العذاب ويدفع، ويحتمل الأنصار: الأعوان، أي: ليس لهم أعوان يعينونهم في الآخرة" (?).
قال ابن عطية: " هو من قول الداعين، وبذلك يتسق وصف الآية" (?).
الفوائد:
1 - فقه هؤلاء السادة اولي الألباب إذ بيّنوا سبب دعائهم أن يقيهم الله من النار، وأن سبب ذلك هو أن النار دار الخزي والعياذ بالله، {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}.
2 - إثبات النار، لقوله: {مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ}.
3 - أنه لانصير للظالم وذلك في الآخرة، أما في الدنيا فقد ينصر الظالم، ولكن تدور عليه الدوائر، أما في الآخرة فلا أحد ينصره.
4 - أن الظلم سبب دخول النار، لقوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.
القرآن
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)} [آل عمران: 193]
التفسير:
يا ربنا إننا سمعنا مناديا -هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم- ينادي الناس للتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، والعمل بشرعك، فأجبنا دعوته وصدَّقنا رسالته، فاغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وألحقنا بالصالحين.
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193]، أي: ربنا إننا سمعنا داعيا يدعو إلى الإيمان" (?).