يا ربنا نجِّنا من النار، فإنك -يا ألله- مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته، وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة.
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]، "أي: من أدخلته النار فقد أذللته وأهنته" (?).
قال مقاتل: " يعني: من خلدته في النار فقد أهنته" (?).
قال ابن كثير: " أي: أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع" (?).
قال ابن عطية: " استجارة واستعاذة، أي فلا تفعل بنا ذلك ولا تجعلنا ممن يعمل عملها، والخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء، خزي الرجل يخزى خزيا إذا افتضح، وخزاية إذا استحيى، الفعل واحد والمصدر مختلف" (?).
قال الراغب: " يقال: خزي الرجل: إذا لحقه انكسار، إما من نفسه بإفراط، يقال في مصدره الخزاية، وإما من غيره، ويقال في مصدره الخزي، وعلى هذا هان وذل، متى كان ذلك من نفسه، يقال له الهون والذل، ومتى كان من غيره يقال له الهوان والذل، والآية من تمام الحكاية عن المتفكرين في خلق السموات والأرض" (?).
وفي تفسير "الخزي" في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192]، على جوه:
أحدها: أنه يعني: ربنا إنك من تدخل النار من عبادك فتخلده فيها، فقد أخزيته، ولا يخزي مؤمن مصيرُه إلى الجنة، وإن عذِّب بالنار بعض العذاب. وهذا قول أنس (?)، وابن المسيب (?)، والحسن (?)، وابن جريج (?).
والثاني: أن معناه: ربنا إنك من تدخل النار، من مخلد فيها وغير مخلد فيها، فقد أخزي بالعذاب. وهذا قول جابر بن عبدالله (?)، وروي عن الضحاك نحو ذلك (?).
والثالث: وقيل: ان "الخزي يحتمل الحياء، يقال: خزي يخزي، خزاية إذا استحيا.
قال ذو الرمة (?):
خَزَايةً أدرْكَتْه بعد جَوْلَتِه (?) ... من جَانب الحَبْل مخلوطا بهَا الغَضَبُ
وقال القطامي في الثور والكلاب (?):
حَرِجاً وَكرَّ كُرُورَ صَاحب نَجْدَةٍ ... خَزي الحَرَائِرُ أَن يكون جَبانَا
أي يستحي (?)، فخزي المؤمنين الحياء، وخزي الكافرين الذل والخلود في النار" (?).