قال الطبري: أي: " ربنا إننا سمعنا داعيًا يدعو إلى التصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك، فصدقنا بذلك يا ربنا" (?).

وفي المنادي في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193]،

قولان:

أحدهما: أنه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو قول ابن جريج (?)، وابن زيد (?)، ونسبه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وإلى أكثر المفسرين (?).

ورجّحه الراغب فقال: " والمنادي للإيمان والداعي إليه: قد يكون العقل، وكتابه المنزل، ورسوله المرسل، وآياته الدالة، وإن كان الأظهر في هذا الموضع أن يكون الرسول، لقوله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] " (?).

والثاني: أن المنادي القرآن، لأنه ليس كل الناس سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. قاله محمد بن كعب القرظي (?)، وهو معنى قول قتادة (?).

وقالوا: " من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا صحيح معنى" (?).

والراجح-والله أعلم- هو أن المنادي: القرآن، " لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [سورة الجن: 1، 2] " (?).

وقد أخرج الطبري عن عن قتادة: "قوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان}، إلى قوله: {وتوفَّنَا مع الأبرار}، سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجنّ كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، وأما مؤمن الإنس فقال: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}، الآية" (?).

وقوله {يُنَادِي لِلإِيمَانِ}، يحتمل وجهان (?):

أحدهما: أن معناه: إلى الإيمان، قاله أبو عبيدة (?)، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا} [الأعراف: 43] بمعنى: إلى هذا. ومنه قول العجاج (?):

أَوْحَى لَها القَرَارَ فَاسْتَقَرَّتِ ... وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّتِ

بمعنى: أوحى إليها، ومنه قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [سورة الزلزلة: 5]

والثاني: وقيل: يحتمل أن يكون معناه: إننا سمعنا مناديًا للإيمان، ينادي أن آمنوا بربكم.

قوله تعالى: {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: 193]، " أي: يقول هذا الداعي: أيها الناس آمنوا بربكم واشهدوا له بالوحدانية فصدقنا بذلك واتبعناه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015