وروي أنه كان ابن عور يقول: "الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية، كما يحدث الماء الزرع والنبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفكرة" (?).

قوله تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}] آل عمران: 191]، "أي: قائلين: ربنا ما خلقت هذ الكون وما فيه عبثاً من غير حكمة" (?).

قال أبو عبيدة: " العرب تختصر الكلام، ليخففوه، لعلم المستمع بتمامه، فكأنه في تمام القول، ويقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلا " (?).

قال الطبري: أي: ": لم تخلق هذا الخلق عبثًا ولا لعبًا، ولم تخلقه إلا لأمر عظيم من ثواب وعقاب ومحاسبة ومجازاة" (?).

قال ابن كثير: " أي: ما خلقت هذا الخلق عَبَثًا، بل بالحق لتجزي الذين أساؤوا بما عملوا، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى" (?).

قال الزمخشري: " المعنى: ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة، بل خلقته لداعي حكمة عظيمة، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك" (?).

قوله تعالى: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]، "أي: ننزهك يا الله عن العبث فأجرنا واحمنا من عذاب جهنم" (?).

قال الطبري: " ثم فَزِعوا إلى ربهم بالمسألة أن يجيرهم من عذاب النار، وأن لا يجعلهم ممن عصاه وخالف أمره، فيكونوا من أهل جهنم" (?).

قال ابن كثير: " أي: يا من خَلَق الخلق بالحق والعدل يا من هو مُنزه عن النقائص والعيب والعبث، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وَقيضْنَا لأعمال ترضى بها عنا، ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم، وتجيرنا به من عذابك الأليم" (?).

روي أنه سئلت أم الدرداء " ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر، والاعتبار " قوله جل وعز: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} " (?).

قال ابن عطية: " حدثني أبي رضي الله عنه عن بعض علماء المشرق قال: كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر، فصليت العشاء فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح، وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا، فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة فصلى مع الناس، فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء، فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه فلما دنوت منه سمعته ينشد (?):

منسحق الجسم غائب حاضر ... منتبه القلب صامت ذاكر

منقبض في الغيوب منبسط ... كذاك من كان عارفا ذاكرا

يبيت في ليله أخا فكر ... فهو مدى الليل نائم ساهر

قال فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة وانصرفت عنه" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015