3 - الإشارة إلى اختلاف الليل والنهار من رخاء إلى شدة وبالعكس، ومن حرب إلى سلم، ومن عزّ إلى ذلّ، ومن فقر إلى غنى، وبالعكس في هذه الأمور.
4 - الثناء لأصحاب العقول، لأن الله جعل هذا الاختلاف لذوي العقول، أما من لاعقل له فإنه لاينتفع بهذه الآيات، ولايعتبر بها وتمرّ عليه وكأنها مظاهر طبيعية لا علاقة لها لفعل الله تعالى بها، وهذا –والعياذ بالل—من الطمس على القلوب وعمي الأبصار، لأن هذا الكون على هذا النظام البديع لايمكن أبدا أن يقع إلا من رب حكيم عزّ وجل، ولايمكن أن يقع من فاعل على وجه السفه أبدا.
5 - أن الربّ عزّ وجل أظهر آياته لخلقه مع ان مجرد الإيمان بأن الله تعالى حي موجود يكفي، لكن كلما تعددت الأدلة والآيات ازداد الشيء يقينا، ودليل هذا أن إبراهيم قال لله عزّ وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 260]، فالإنسان قد يكون مؤمنا ولا إشكال عنده في الأمر لكن يحتاج إلى من يطمئنه.
6 - الثناء على العقل، وهو عقل الرشد لا عقل التكليف، لقوله تعالى: {لآيات لأولي الالباب}.
7 - أنه كلما كان الإنسان أعقل كان بالله وآياته أعلم، لقوله: {لآيات لأولي الالباب}، والحكم المعلق على وصف يثبت لثبوته ويعدم لعدمه، ولذلك من كان عقله بهيميا لاينتفع بهذه الآيات، لأنه ليس من ذوي الالباب.
القرآن
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 191]
التفسير:
الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، وهم يتدبرون في خلق السموات والأرض، قائلين: يا ربنا ما أوجدت هذا الخلق عبثًا، فأنت منزَّه عن ذلك، فاصْرِف عنا عذاب النار.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، أي: الذين"يذكرون الله بألسنتهم وقلوبهم في جميع الأحوال في حال القيام والقعود والاضطجاع" (?).
قال ابن جريج: " هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن" (?).
قال قتادة: " وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم، فاذكره وأنت على جنبك، يُسرًا من الله وتخفيفًا" (?).
قال الطبري: "من نعت أولي الألباب، أي: الذاكرين الله قيامًا في صلاتهم، وقعودًا في تشهدهم وفي غير صلاتهم، وعلى جنوبهم نيامًا" (?).
قال ابن كثير: " ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}، كما ثبت في صحيح البخاري عن عِمْران بن حُصَين، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صَلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لَم تستطع فَعَلَى جَنْبِكَ" (?) أي: لا يقطعون ذِكْره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم" (?).
قال ابن عطية: " وهذا وصف ظاهره استعمال التحميد والتهليل والتكبير ونحوه من ذكر الله، وأن يحصر القلب اللسان، وذلك من أعظم وجوه العبادات، والأحاديث في ذلك كثيرة، وابن آدم منتقل في هذه الثلاث الهيئات لا يخلو في غالب أمره منها فكأنها تحصر زمنه" (?).
وقوله: {وعلى جنوبهم}: "عبارة عن حال الاضطجاع، وعلى ذلك قوله: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} [يونس: 12]، فمن حمل الآية على الصلاة، وقال: معناه لا يخلون بها في شيء من أحوالهم قائمين إذا قدروا، قاعدين إذا عجزوا، وعلى جنوبهم إذا مرضوا.
ومنهم من جعله أعم من ذلك، وقال: لا ينفكون من ذكر الله في جميع أحوالهم، كقوله: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37].
ومنهم من جعله أعم من ذلك أيضا، وقال: معناه لا يتحرون بجميع أفعالهم إلا وجهه، وبيان ذلك أن مباحات أولياء الله كلها قرب يستحق بها الثواب، وذاك أنهم لا يأكلون ولا ينامون إلا وقت الضرورة، ومقدار ما يستعينون به على العبادة، وما لا تتم عبادتهم إلا به فذاك واجب كوجوبها" (?).
وفي تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، وجهان:
أحدها: إنما هذه في الصلاة إذا لم تستطع قائما فقاعدا، وإن لم تستطع قاعدا فعلى جنب. قاله أبو مسعود (?).
والثاني: ان المراد ذكر الله عزّ وجل في تلك الأحوال: قائما وقاعدا ومضطجعا. وهذا قول مجاهد (?)، وقتادة (?).
قال الثعلبي: " قال سائر المفسرين: أراد به ذكر الله تعالى، ووصفهم بالمداومة عليه، إذ الإنسان قلما يخلوا من معنى هذه الحالات الثلاثة" (?).
قال الراغب: " الذكر: ذكر باللسان، وذكر بالقلب، وذكر القلب ذكران: ذكر عن نسيان، وهو إعادة ما انحذف عن الحفظ، وذلك هو التذكر في الحقيقة، وذكر هو إدامة مراعاة ما ثبت في الحفظ" (?).
قوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 191]، " أي: ويتدبرون في ملكوت السماوات والأرض، في خلقهما بهذه الأجرام العظام وما فيهما من عجائب المصنوعات وغرائب المبتدعات" (?).
قال الثعلبي: أي: بأن" لها صانعا قادرا ومدبرا حكيما" (?).
قال الطبري: " يعني بذلك: أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا مَن ليس كمثله شيء، ومن هو مالك كل شيء ورازقه، وخالق كل شيء ومدبره، ومن هو على كل شيء قدير، وبيده الإغناء والإفقار، والإعزاز والإذلال، والإحياء والإماتة، والشقاء والسعادة" (?).
قال ابن كثير: " أي: يفهمون ما فيهما من الحكَم الدالة على عظمة الخالق وقدرته، وعلمه وحكمته، واختياره ورحمته، ... وقد ذمّ الله تعالى مَنْ لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدره وآياته، فقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 105، 106] ومدح عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} قائلين {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا} " (?).
قال الشيخ أبو سليمان الداراني: "إني لأخرجُ من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عَلَي فيه نِعْمَة، أوْ لِي فيه عِبْرَة" (?).