قال ابن عطية: " هو تعاقبهما، إذ جعلهما الله خلفة، ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس، ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام" (?).
قال ابن كثير: "أي: تعاقبهما وتَقَارضهما الطول والقصر، فتارة يطُول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا، ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم" (?).
قوله تعالى: {لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، " أي: علامات واضحة على الصانع وباهر حكمته، ولا يظهر ذلك إِلا لذوي العقول" (?).
قال الزمخشري: أي: " لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته وباهر حكمته، للذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطر. وفي النصائح الصغار: املأ عينيك من زينة هذه الكواكب، وأجلهما في جملة هذه العجائب، متفكرا في قدرة مقدرها، متدبرا حكمة مدبرها، قبل أن يسافر بك القدر، ويحال بينك وبين النظر" (?).
قال ابن كثير: قوله" {لأولِي الألْبَابِ} أي: العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها، وليسوا كالصم البُكْم الذين لا يعقلون الذين قال الله [تعالى] (3) فيهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 105، 106] " (?).
قال ابن عطية: " و {الآيات}: العلامات، و {الألباب} في هذه الآية: هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة، لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى" (?).
قال الراغب: " ونبه بقوله: {لأولي الألباب}، أن من لم يكن ذا لب قل عناؤه في التفكر فيها، واللب هو اسم للعقل أزيل عنه الدرن، وذاك أن العقل وإن كان أشرف مدرك من الأشياء فهو في الأصل كسيف حديد لم يطبع ولم يصقل، فإذا تفقد وتعهد بالحكمة صار كسيف طبع، فأزيل خبثه، وشحذ حده، وكل موضع يذكر الله تعالى فيه أجل مدرك لا يمكن إدراكه إلا بأجل مدرك" (?)
أخرج ابن حبان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير قد آن لك أن تزورنا فقال أقول يا أمه كما قال الأول زر غبا تزدد حبا قال فقالت دعونا من رطانتكم هذه قال بن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر قال: "أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إن في خلق السماوات والأرض} الآية كلها [آل عمران: 190] " (?).
الفوائد:
1 - الحثّ على التأمل في خلق السماوات والأرض، لأن الله تعالى ذكر أن فيهما آيات، والآيات هي: العلامات، وكلما ازدادت الآيات وضوحا ازداد الإيمان قوة.
2 - النظر إلى خلق السماوات والأرض على الوجه الذي ذكر في التفسير، من حيث ذواتهما ومنافعهما وما فيهما من الخير والمصالح حتى لايذهب ذاهب إلى أنها خلقت عبثا.