قال الزهري: " هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه" (?).
قال ابن جريج: " {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، يعني: اليهود، والنصارى: {ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا}، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم: عزير ابن الله، ومن النصارى: المسيح ابن الله" (?).
قال الطبري: "الأذى من اليهود، قولهم: إن الله فقير ونحن أغنياء، وقولهم: يد الله مغلولة، وما أشبه ذلك من افترائهم على الله ومن الذين أشركوا، يعني: ومن النصارى، قولهم: المسيح ابن الله، وما أشبه ذلك من كفرهم بالله" (?).
نستنتج بأن في هذا الأذى ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما روي أن كعب بن الأشرف كان يهجو النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ويحرض عليهم المشركين حتى قتله محمد بن مسلمة، وهذا قول الزهري (?).
والثاني: أن فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع لما سئل الإمداد قال: احتاج ربكم إلى أن نمده، وهذا قول عكرمة (?)، وروي عن ابن عباس نحو ذلك (?)، واختاره الزجاج (?).
والثالث: أن الأذى ما كانوا يسمعونه من الشرك كقول اليهود: عزيز ابن الله، وكقول النصارى: المسيح ابن الله وهذا قول ابن جريج (?).
قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186]، "أي: وإِن تصبروا على المكاره وتتقوا الله في الأقوال والأعمال، فإن ذلك من الأمور التي ينبغي أن تعزموا وتحزموا عليها لأنها ممّا أمر الله بها" (?).
قال مقاتل: " {وَإِنْ تَصْبِرُوا} على ذلك الأذى، {وتتقوا} معصيته، {فإن ذلك من عزم الأمور}، يعني: ذلك الصبر والتقوى من خير الأمور التي أمر الله- عز وجل- بها" (?).
قال ابن جريج: " فكان المسلمون ينصبون لهم الحرب إذ يسمعون إشراكهم، فقال الله: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}، يقول: من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به" (?).
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قول الله: " {فإن ذلك}، يعني: هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {من عزم الأمور}، يعني: في حق الأمور التي أمر الله" (?).
قال الطبري: أي: " وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته، وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم، فتعملوا في ذلك بطاعته، فإن ذلك الصبر والتقوى مما عزم الله عليه وأمركم به" (?).
قال الحسن: " أمر الله المؤمنين أن يصبروا على ما أذاهم، فقال: أذاهم: زعم أنهم كانوا يقولون: يا أصحاب محمد لستم على شيء، نحن أولى بالله منكم، أنتم ضلال، فأمروا أن يمضوا ويصبروا" (?).