متوشِّح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نمده! فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسيف، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفتاتنّ علي بشيء حتى ترجع، فكف، ونزلت: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ}، وما بين الآيتين إلى قوله: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}، نزلت هذه الآيات في بني قينقاع إلى قوله: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} " (?).
وأخرج الطبري عن ابن جريج: " فكان المسلمون ينصبون لهم الحرب إذ يسمعون إشراكهم، فقال الله: {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}، يقول: من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به" (?).
قال الزجاج: " روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - سمع رجلا من إليهود يقول:
{إن الله فقير ونحن أغنياء}، فلطمه أبو بكر - رضي الله عنه - فشكا إليهودي ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله النبي: " ما أراد بلطمك؟ فقال أبو بكر: سمعت منه كلمة ما ملكت نفسي معها أن لطمته، فأنزل الله عز وجل: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} " (?).
والثاني: أنها نزلت في كعب بن الأشرف، وذلك أنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتشبّب بنساء المسلمين.
أخرج الطبري وابن المنذر (?)، وابن أبي حاتم (?) عن معمر عن الزهري، قال: "هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم. فانطلق إليه خمسة نفر من الأنصار، فيهم محمد بن مسلمة، ورجل يقال له أبو عبس. فأتوه وهو في مجلس قومه بالعَوَالي، فلما رآهم ذعر منهم، فأنكر شأنهم، وقالوا: جئناك لحاجة! قال: فليدن إليّ بعضكم فليحدثني بحاجته. فجاءه رجل منهم فقال: جئناك لنبيعك أدراعًا عندنا لنستنفق بها. فقال: والله لئن فعلتم لقد جُهدتم منذ نزل بكم هذا الرجل! فواعدوه أن يأتوه عشاءً حين هدأ عنهم الناس، فأتوه فنادوه، فقالت امرأته: ما طَرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مما تحب! قال: إنهم حدثوني بحديثهم وشأنهم.
قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة: أنه أشرف عليهم فكلمهم، فقال: أترهَنُوني أبناءكم؟ وأرادوا أن يبيعهم تمرًا. قال، فقالوا: إنا نستحيي أن تعير أبناؤنا فيقال: هذا رهينة وَسْق، وهذا رهينة وسقين! فقال: أترهنوني نسائكم؟ قالوا: أنت أجملُ الناس، ولا نأمنك! وأي امرأة تمتنع منك لجمالك! ولكنا نرهنك سلاحنا، فقد علمت حاجتنا إلى السلاح اليوم. فقال: ائتوني بسلاحكم، واحتملوا ما شئتم. قالوا: فأنزل إلينا نأخذ عليك وتأخذ علينا. فذهب ينزل فتعلقت به امرأته وقالت: أرسل إلى أمثالهم من قومك يكونوا معك. قال: لو وجدني هؤلاء نائمًا ما أيقظوني! قالت: فكلِّمهم من فوق البيت، فأبى عليها، فنزل إليهم يفوحُ ريحه. قالوا: ما هذه الريح يا فلان؟ قال: هذا عطرُ أم فلان! امرأته. فدنا إليه بعضهم يشم رائحته، ثم اعتنقه، ثم قال: اقتلوا عدو الله! فطعنه أبو عَبس في خاصرته، وعلاه محمد بن مسلمة بالسيف، فقتلوه ثم رجعوا. فأصبحت اليهود مذعورين، فجاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة! فذكّرهم النبي صلى الله عليه وسلم صَنيعه، وما كان يحضّ عليهم، ويحرض في قتالهم ويؤذيهم، ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحًا، قال: فكان ذلك الكتابُ مع عليّ رضوان الله عليه" (?).
والثالث: أخرج ابن المنذر، عن شعيب، عن الزهري، قال: "أخبرني عروة بن الزبير، أن أسامة بن زيد، أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف، على قطيفة من تحته، وأردف أسامة بن زيد وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين، وعبدة الأوثان، واليهود وفي المسلمين عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر ابن أبي أنفه بردائه، ثم قال: