وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60]، وفي الحديث: «واللهِ ما الدنيا في الآخرة إلا كما يَغْمِسُ أحدُكُم إصبعه في اليَمِّ، فلينظر بِمَ تَرْجِع إليه؟ » (?) " (?).
قال الراغب: " والمتاع: التمتع، فنبه أن السكون إلى الدنيا والتمتع بها غرور، وأن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، واقتصر على زاد يتبلغ به" (?).
قال أبو السعود: " شبهت بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، وهذا لمن آثرها على الآخرة، فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ" (?).
قال السعدي: " هذه الآية الكريمة فيها التزهيد في الدنيا بفنائها وعدم بقائها، وأنها متاع الغرور، تفتن بزخرفها، وتخدع بغرورها، وتغر بمحاسنها، ثم هي منتقلة، ومنتقل عنها إلى دار القرار، التي توفى فيها النفوس ما عملت في هذه الدار، من خير وشر" (?).
الفوائد:
1 - أن الموت حقّ لابد منه، لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
2 - حثّ الإنسان على المبادرة للعمل الصالح، لأنه إذا كان ميتا لامحالة وهو لايدري متى يموت، فإن العقل كالشرع يقتضي أن يبادر ولاسيّما في قضاء الواجبات والتخلي عن المظالم.
3 - ان كمال الأجر إنما يكون يوم القيامة.
4 - إثبات يوم القيامة، إذ يقوم الناس فيه لربّ العالمين، ويقوم الأشهاد، ويقام فيه القسط.
5 - أنه لايمكن الفوز إلا بأمرين: أن يزحزح الإنسان عن النار وأن يدخل الجنة.
6 - التزهيد في الدنيا، ويجب على الإنسان الحذر من مغبّة الدنيا وغرورها، قال-صلى الله عليه وسلم-: "والله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها ما تنافسها من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتم .. " (?).
القرآن
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} [آل عمران: 186]
التفسير:
لَتُخْتَبَرُنَّ -أيها المؤمنون- في أموالكم بإخراج النفقات الواجبة والمستحبَّة، وبالجوائح التي تصيبها، وفي أنفسكم بما يجب عليكم من الطاعات، وما يحلُّ بكم من جراح أو قتل وفَقْد للأحباب، وذلك حتى يتميَّز المؤمن الصادق من غيره. ولتَسمعُنَّ من اليهود والنصارى والمشركين ما يؤذي أسماعكم من ألفاظ الشرك والطعن في دينكم. وإن تصبروا -أيها المؤمنون- على ذلك كله، وتتقوا الله بلزوم طاعته واجتناب معصيته، فإن ذلك من الأمور التي يُعزم عليها، وينافس فيها.
في سبب نزول الآية وجوه:
أحدها: قال ابن عباس: " نزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا} " (?).
أخرج الطبري عن عكرمة، قال: "نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أبي بكر رضوان الله عليه، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينُقاع، بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رحمه الله إلى فنحاص يستمدُّه، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: لا تَفتاتنَّ عليّ بشيء حتى ترجع، فجاء أبو بكر وهو