متبلغا بذلك إلى فوز الآخرة ونعيم الأبد، وإما لخلاصهم من شدة يرى الموت في جنبها فوزا، وكذا النية أراها والأمنية من أصل واحد بنحو هذين النظرين" (?).
قال الربيع: "إن آخر من يدخل الجنة يعطى من النور بقدر مادام يحبو فهو في النور حتى تجاوز الصراط، فذلك قوله: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} " (?).
قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، "أي: ليست الدنيا إِلا دار الفناء يستمتع بها الأحمق المغرور" (?).
قال أبو مالك: " {الغرور}، يعني: زينة الدنيا" (?).
وعن قتادة: " {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}: هي متاع متروك أوشكت والله الذي لا إله إلا هو أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله- إن استطعتم- ولا قوة إلا بالله" (?).
عن عبد الرحمن بن سابط: " {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}، قال: زاد الراعي، تزوِّده الكفّ من التمر، أو الشيء من الدقيق، أو الشيء يشرب عليه اللبن" (?).
قال الطبري: أي: " وما لذّات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها إلا متعة، يمتعكموها الغرور والخداع المضمحلّ الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختبار، فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره. يقول تعالى ذكره: ولا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتَّعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون، فكأن ابن سابط (?) ذهب في تأويله هذا، إلى أن معنى الآية: وما الحياة الدنيا إلا متاعٌ قليلٌ، لا يُبلِّغ مَنْ تمتعه ولا يكفيه لسفره. وهذا التأويل، وإن كان وجهًا من وجوه التأويل، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا. لأن الغرور إنما هو الخداع في كلام العرب. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة، لأن الشيء قد يكون قليلا وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور. وأما الذي هو في غرور، فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور" (?).
قال السمرقندي قال ابن عباس: " «متاع الغرور مثل القدر والقارورة والسكرجة ونحو ذلك، لأن ذلك لا يدوم، وكذلك الدنيا تزول وتفنى ولا تبقى».
ويقال: هو مثل الزجاج الذي يسرع إليه الكسر، ولا يصلحه الجبر. ويقال: كزاد المسافر، يسرع إليه الفناء فكذلك الدنيا" (?).
قال الثعلبي: " يعني: منفعة ومتعة، كالفأس والقدر والقصعة، ثم يزول ولا يبقى، قاله أكثر المفسرين" (?).
قال الماتريدي: أي: " حياة الدنيا للدنيا لعب ولهو وغرور، وللآخرة: ليست بلعب ولا لهو ولا غرور. وأصل الغرور: هو أن يتراءى الشيء في ظاهره حسنا مموها؛ يغتر بها كل ناظر إليها ظاهرا، فإذا نظر في باطنها وجدها قاتلة مهلكة، نعوذ بالله من الاغترار بها.
وقيل: الحياة الدنيا -على ما عند أولئك الكفرة- لعب ولهو، وعند المؤمنين حكمة" (?).
قال ابن كثير: قال ذلك" تصغيرًا لشأن الدنيا، وتحقيرًا لأمرها، وأنها دنيئة فانية قليلة زائلة، كما قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17]، وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ} [الرعد: 26] وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96]. وقال تعالى: {