قال الطبري: " ويعني: بـ {الكتاب}: التوراة والإنجيل. وذلك أن اليهود كذَّبت عيسى وما جاء به، وحرَّفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وبدلت عهده إليهم فيه، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته، وغيرت ما أمرهم به في أمره" (?).

وقوله: {المنير}: فإنه يعني: الذي يُنير فيبين الحق لمن التبس عليه ويوضحه، وهو من النور والإضاءة، يقال: قد أنار لك هذا الأمر، بمعنى: أضاء لك وتبين، فهو ينير إنارة، والشيء منيرٌ (?).

الفوائد:

1 - تسلية الرسول-صلى الله عليه وسلم-، ويتفرّغ عليها أم يتسلى الإنسان في كل ما أصاب غيره.

2 - أن الرسل يؤذون بالتكذيب، وليس شيئا أشق على النفس من التكذيب فيمن جاء بالصدق.

3 - أن الرسل –عليهم الصلاة والسلام- لابد أن يؤيدوا بالبيّنات.

4 - أن الرسل السابقين كلهم جاؤوا بكتاب، فما من رسول إلا ومعه كتاب، ويؤيد هذا قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].

5 - أن الكتب السابقة ككتابنا كلها تنير الطريق لمن أراد المسير، وأعظمها إنارة القرآن العظيم، ولهذا كان مهيمنا على ما سبق من الكتب، فكل الكتب التي سبقت منسوخة

القرآن

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} [آل عمران: 185]

التفسير:

كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم; ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها.

قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]، أي: " كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت" (?).

قال مقاتل: " ثم خوفهم فقال: {كل نفس ذائقة الموت} " (?).

قال الواحدي: " وهذا وعد من الله تعالى بالموت، ووعيد للمكذبين بالقرآن، لأنهم إذا ماتوا حصلوا على خسران وحسرة" (?).

قال المراغي: " أي كل نفس تذوق طعم مفارقة البدن وتحس به، وفى هذا إيماء إلى أن النفس لا تموت بموت البدن، لأن الذي يذوق هو الموجود، والميت لا يذوق. فالذوق شعور لا يجس به إلا الحي" (?).

قال ابن كثير: " يخبر تعالى إخبارًا عامًا يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، كقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولا وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة وفَرَغَت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية - أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدا مثقال ذرة" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015