وكان عيسى بن عمر يقرأ: {قربان}، فبضم الراء والقاف، كما يقال في جمع ظلمة: ظلمات، وفي جمع حجرة: حجرات (?).
قوله تعالى: {قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} [آل عمران: 183]، " أي: قل لهم يا محمد: قد جاءتكم رسلٌ قبلي بالمعجزات الواضحات والحجج الباهرات الدالة على صدق نبوتهم وبالذي ادعيتم" (?).
قال ابن عطية: " هذا رد عليهم في مقالتهم وتبيين لإبطالهم، أي: قد جاءكم رسل بالآيات الباهرة البينة، وفي جملتها ما قلتم من أمر القربان فلم قتلتموهم يا بني إسرائيل المعنى بل هذا منكم تعلل وتعنت، ولو أتيتكم بالقربان لتعللتم بغير ذلك، والاقتراح لا غاية له، ولا يجاب كل مقترح، ولم يجب الله مقترحا إلا وقد أراد تعذيبه وأن لا يمهله، كقوم صالح وغيرهم، وكذلك قيل لمحمد في اقتراح قريش فأبى، وقال: بل أدعوهم وأعالجهم" (?).
قال مقاتل: " فقال- عز وجل- لنبيه- صلى الله عليه وسلم-قل لهم: {قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات}، يعني: التبيين بالآيات، {وبالذي قلتم}، من أمر القربان" (?).
قال الطبري: أي: " قل، يا محمد، قد جاءكم رسل من قبلي بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم وبالذي ادَّعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته، من أكل النار قُربانه إذا قرَّب لله دلالة على صدقه" (?).
قوله تعالى: {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 183]، " أي: فلم كذبتموهم وقتلتموهم إِن كنتم صادقين في دعواكم الإِيمان بالله والتصديق برسله؟ " (?).
قال الضحاك: " فلم كذبتموهم، {قتلتموهم إن كنتم صادقين}؟ " (?).
قال مقاتل: " فلم قتلتم أنبياء الله من قبل محمد- صلى الله عليه وسلم- {إن كنتم صادقين} بما تقولون" (?).
قال النسفي: " أى إن كان امتناعكم عن الإيمان لأجل هذا، فلم لم تؤمنوا بالذين أتوا به ولم قتلتموهم؟ {إِن كُنتُمْ صادقين} في قولكم إنما نؤخر الإيمان لهذا" (?).
عن أبي يزيد المرادي، عن العلاء بن بدر: " قلت: أرأيت قوله: {فلم قتلتموهم}، وهم لم يدركوا ذلك؟ قال: بموالاتهم من قتل الأنبياء" (?).
روي عن الشعبي أنه قال: " كان بين الذين قتلوا وبين الذين قالوا: إن الله عهد إلينا إلى آخر الآية- سبعمائة سنة" (?).
وعنه أيضا: "في قوله: {فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين}، قال: لأنهم رضوا عملهم" (?).
قال الطبري: " وإنما أعلم الله عباده بهذه الآية: أنّ الذين وصف صفتهم من اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لن يَعْدوا أن يكونوا في كذبهم على الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يعلمونه صادقًا محقًّا، وجحودهم نبوَّته وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في عهد الله تعالى إليهم أنه رسوله إلى خلقه، مفروضة طاعته (1) إلا كمن مضى من أسلافهم الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد قطع الله عذرهم بالحجج التي أيدهم الله بها، والأدلة التي أبان صدقهم بها، افتراء على الله، واستخفافًا بحقوقه" (?).