أحدها: أخرج الطبري وابن المنذر (?)، وابن أبي حاتم (?) عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة: "أنه حدثه عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المِدْراس، فوجد من يهودَ ناسًا كثيرًا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فِنحاص، كان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حَبْرٌ يقال له أشيْع. فقال أبو بكر رضي الله عنه لفنحاص: ويحك يا فِنحاص، اتق الله وأسلِم، فوالله إنك لتعلم أنّ محمدًا رسول الله، قد جاءكم بالحقّ من عند الله، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل! قال فنحاص: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير! وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيُّا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم! ينهاكم عن الربا ويعطيناه! ولو كان عنا غنيًّا ما أعطانا الربا! فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عُنقك يا عدو الله! فأكذِبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين. فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولا عظيمًا، زعم أنّ الله فقير وأنهم عنه أغنياء! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، فضربتُ وجهه. فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك! فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فنحاص، ردًّا عليه وتصديقًا لأبي بكر: لقد سَمِع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتبُ ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق وفي قول أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب: {لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} [سورة آل عمران: 186] " (?). وروي عن السدي نحو ذلك مختصرا (?).
والثاني: أخرج الطبري وابن أبي حاتم (?)، عن الحسن قال: " لما نزلت: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [سورة البقرة: 245\ سورة الحديد: 11]، قالت اليهود: إنّ ربكم يستقرض منكم! فأنزل الله: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء} " (?).
والثالث: أخرج الطبري وعبدالرزاق (?)، وابن المنذر (?)، عن قتادة: " قوله: {الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء}، ذكر لنا أنها نزلت في حُيَيّ بن أخطب، لما أنزل الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}، قال: يستقرضنا ربنا، إنما يستقرض الفقير الغنيَّ! " (?).
والرابع: أخرج الواحدي عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "نزلت في اليهود صك أبو بكر - رضي الله عنه - وجه رجل منهم، وهو الذي قال: {إن الله فقير ونحن أغنياء}، قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال: {يد الله مغلولة} " (?). وأخرجه الطبري عن ابن أبي نجيح (?).
والخامس: قال مقاتل: " وذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كتب مع أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- إلى يهود قينقاع يدعوهم إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا. قال فنحاص اليهودي: إن الله فقير حين يسألنا القروض ونحن أغنياء" (?). وذكر الواقدي نحوه (?).
قال الطبري: " ذكر أن هذه الآية وآيات بعدها نزلت في بعض اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" (?).