ولا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم، ومتعناهم بمُتع الدنيا، ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم، أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم، إنما نؤخر عذابهم وآجالهم; ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا، ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم.
في سبب نزول الآية قولان:
أحدهما: قال الثعلبي: " نزلت هذه الآية في مشركي قريش (?).
والثاني: ونقل الثعلبي عن مقاتل: "قال عطاء: في قريظة والنضير" (?).
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 178]، "أي: لا يظنَّن الكافرون أن إِمهالنا بدون أجزاء وعذاب، وإِطالتنا لأعمارهم خير لهم" (?).
قال مقاتل: يعني: " أبا سفيان وأصحابه يوم أحد حين ظفروا" (?).
قال الواقدي: " يقول: ما يصح أبدانهم، ويرزقهم ويريهم الدولة على عدوهم" (?).
قال السدي: " ثم ذكر إظهار المشركين فقال: {لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم} " (?).
قال السمرقندي: " يعني: لا يظن الكفار أن الذي نملي لهم ونمهلهم خير لهم، ويقال: ما نعطيهم من المال والولد لا يظنن أن ذلك خير لهم في الآخرة، بل هو شر لهم في الآخرة" (?).
قال الزجاج: " معني {نملي لهم}: نؤخرهم، وهؤلاء قوم أعلم الله النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم لا يؤمنون أبدا، وأن بقاءهم يزيدهم كفرا وإثما" (?).
قال الزمخشري: " والإملاء لهم: تخليتهم وشأنهم، مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء.
وقيل: هو إمهالهم وإطالة عمرهم. والمعنى: ولا تحسبن أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم" (?).
قال أبو عبيدة: {نُمْلِي}، " من الإملاء ومن الإطالة، ومنها قوله: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، أي: دهرا، وتمليت حبيبك، والملوان: النهار والليل كما ترى، قال ابن مقبل (?):
ألا يا ديار الحىّ بالسّبعان ... أملّ عليها بالبلى الملوان
يعنى الليل والنهار، و «أمّل عليها بالبلى»: أي رجع عليها حتى أبلاها، أي طال عليه" (?).
وفي {ما} من قوله تعالى {أنما نملي لهم}، وجهان: أن تكون مصدرية أو موصولة، حذف عائدها. أي إملاؤنا لهم أو الذي نمليه لهم، وكان حق {ما} في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة، ولكنها وقعت في الإمام متصلة، فلا يخالف، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف (?).
وقرئت: {ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي} (?).
وقرأ ابن عامر وعاصم: {لا يحسبن}، بالياء ونصب السين. وقرأ الباقون بالتاء وكسر السين (?).