فمن قرأ بالياء فـ {الذين} في محل الرفع على الفاعل تقديره: ولا يحسبن الكفار أن إملاءنا خير لهم (?)، ومن قرأ بالتاء، قال الفراء: هو" على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم، وهو كقوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [محمد: 18]، على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم" (?).
وقيل: موضع إنما نصب على البدل من الذين، كقول الشاعر (?):
فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
فرفع (هلك) على البدل، من الأول (?).
قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [آل عمران: 178]، " أي: إِنما نمهلهم ونؤخر آجالهم ليكتسبوا المعاصي فتزداد آثامهم" (?).
قال أبو عبيدة: " فإنما أبقيناهم إلى وقت آجالهم ليزدادوا إثما وقد قيل فى الحديث: «الموت خير للمؤمن للنّجاة من الفتنة، والموت خير للكافر لئلا يزداد إثما» (?) " (?).
قال السمرقندي: " أي: نعطي لهم المال والولد، يهانون به من العذاب.
ويقال: إنما نملي لهم، أي بما أصابوا من الظفر يوم أحد لم يكن ذلك خيرا لأنفسهم، وإنما كان ليزدادوا عقوبة.
ويقال: إنما نملي لهم ونؤخر العذاب عنهم ليزدادوا إثما، أي جرأة على المعاصي. وإنما كان ذلك مجازاة لكفرهم وخبث نياتهم" (?).
قال عبد الله بن مسعود: "ما من نفس برة ولا فاجرة إلا الموت خير لها، لئن كان فاجرا، لقد قال الله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} " (?).
قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، " أي: ولهم في الآخرة عذاب يهينهم" (?).
قال مقاتل: " يعني الهوان" (?).
قال القاسمي: " في قوله تعالى: {مهين} سر لطيف، وهو أنه لما تضمن الإملاء التمتيع بطيبات الدنيا وزينتها، وذلك مما يستدعي التعزز والتجبر، وصف عذابهم بالإهانة، ليكون جزاؤهم جزاء وفاقا" (?).
الفوائد:
1 - أنه يجب على الانسان ان لا يظن أن إمهال الله له خيرا له، تؤخذ من النهي، فإن الأصل في النهي التحريم، فلايجوز للإنسان ان يغتر بإمهال الله له.
2 - أنه تعالى بحكمته قد يستدرج بعض الخلق فيعطيه النعم تترا وهو متجاوز لحدوده ليبلغ في الطغيان غايته حتى إذا أخذه لم يفلته، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إت الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" (?).