قال السعدي: " وكيف يضرون الله شيئا، وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان، ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن؟ ! فالله غني عنهم، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، وأعد له -ممن ارتضاه لنصرته- أهل البصائر والعقول، وذوي الألباب من الرجال الفحول، قال الله تعالى: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا} الآيات" (?).
قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 177]، أي: "ولهم عذاب مؤلم" (?).
قال مقاتل: " يعنى وجيع" (?).
قال أبو العالية: " الأليم: الموجع في القرآن كله" (?)، وروي عن سعيد بن جبير، وأبي مالك، والضحاك، وقتادة، وأبي عمران الجوني، ومقاتل بن حيان نحو ذلك (?).
قال أبو الفداء: " ولما جرت العادة باغتباط المشترى بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالايلام مراعاة لذلك" (?).
وفي تكرار قوله تعالى: {لن يضروا الله شيئاً} في الآيتين: [آل عمران: 176 - 177]، أمور (?):
أحدها: أن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لا شك أنهم كانوا كافرين أولا، ثم آمنوا ثم كفروا بعد ذلك، وهذا يدل على شدة الاضطراب وضعف الرأي وقلة الثبات، ومثل هذا الإنسان لا خوف منه ولا هيبة له ولا قدرة له البتة على إلحاق الضرر بالغير.
وثانيها: أن أمر الدين أهم الأمور وأعظمها، ومثل هذا مما لا يقدم الإنسان فيه على الفعل أو على الترك إلا بعد إمعان النظر وكثرة الفكر، وهؤلاء يقدمون على الفعل أو على الترك في مثل هذا المهم العظيم بأهون الأسباب وأضعف الموجبات، وذلك يدل على قلة عقلهم وشدة حماقتهم، فأمثال هؤلاء لا يلتفت العاقل إليهم.
وثالثها: أن أكثرهم إنما ينازعونك في الدين، لا بناء على الشبهات، بل بناء على الحسد والمنازعة في منصب الدنيا، ومن كان عقله هذا القدر، وهو أنه يبيع بالقليل من الدنيا السعادة العظيمة في الآخرة كان في غاية الحماقة، ومثله لا يقدر في إلحاق الضرر بالغير، فهذا هو الفائدة في إعادة هذه الآية والله أعلم بمراده.
الفوائد:
1 - بيان شدة رغبة الكفار في الكفر، لأنهم اشتروا الكفر اشتراء، والمشتري طالب للسلعة، فهم يأخذون الكفر عن رغبة.
2 - بيان خسران هؤلاء إذ أخذوا الكفر بدلا من الإيمان/ وهي أخسر صفقة على وجه الأرض أن يأخذ الإنسان الكفر بالإيمان طائعا طيبة به نفسه والعياذ بالله.
3 - بيان كما الله عزّ وجل، وأنه لا تضره معصية العاصي ولا تنفعه طاعة الطائعين.
4 - كمال سلطان الله إذ إن هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان لن يضروا الله شيئا، مع ان المعروف ان الملك كلما قلّت جنوده ضعف قوته إلا الله عزّ وجل فإنه لايضره شيء.
5 - عذاب هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان عذاب مؤلم.
القرآن
{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)} [آل عمران: 178]
التفسير: